لا تطل في غير طائل
22 ربيع الثاني 1426

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، لقد وقفنا مع فصول من سورة يوسف ولاتزال المواقف كثيرة، وكثرتها هذه مع ما اختصر في القرآن من حياته _عليه السلام_، فما كل شأنه أتت السورة بذكره وإنما هي وقفات مع معالم في حياته _عليه السلام_.
ومما يشير إلى هذا المعنى قول الله _تعالى_: "وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ" ذكره عقب إخباره _سبحانه_ بالتمكين ليوسف في الأرض بعد أن استخلصه الملك لنفسه وجعله على الخزائن.

وهنا طويت صفحةٌ بل صفحات فيما مضى وانتهت مراحل من قصة يوسف هذه القصة العجيبة، وهاهي الآن تبدأ مرحلة جديدة وصفحة جديدة يفصل بينهما بضع سنوات، "وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ" (يوسف:58) متى جاؤوا؟
الذي يقرأ الآيات المتتابعة بعد لقائه بالملك قد يتصور أنه فور دخوله وفور رئاسته دخلوا عليه، وليس كذلك.
بل قد مرت سنوات الرخاء السبع، ثم بدأت سنوات الشدة، وهنا جاء إخوة يوسف، ولهذا ناسب أن يجيء بقوله: "وجاء إخوة يوسف" بالواو وليس بالفاء التي تفيد التعقيب والترتيب.
وهذا مشعر بأن إخوة يوسف قد جاؤوا بعد بدء سنوات الشدة، وبدأ تأثيرها أيضاً، وربما مضت من سنوات الشدة سنة أو سنتان أو ثلاث فالله أعلم.

والشاهد من هذا هو أن القرآن يركز على المشاهد المؤثرة، يركز على الأحداث التي تكون فيها العبر العظيمة مع اختصار غيرها.
أما ما عدا ذلك فلا داعي للخوض في تفاصيله، وهذا ينبغي أن يكون منهجاً لنا؛ من حيث ترك طلب معرفة نحوه والتعمق فيه، فلو كان علمه مما تتوقف عليه مصالح العباد لنبأنا به اللطيف الخبير.

وأيضاً ينبغي أن نستفيد منه منهجاً في الكتابة، وبالأخص من يكتب تاريخاً أو يكتب قصة، فلا يأتي ويسرد كل شيء؛ ما فيه فائدة وما ليست فيه فائدة، وإنما ليركز على المواقف والقضايا المؤثرة في القضية أما ما عدا ذلك فلا داعي لتسويد الصفحات به.

ولعلك ترى واقع الكتابات المعاصرة وما في بعض الكتب بل الرسائل الجامعية من التضخيم ولو أنها اختصرت لوصلت إلى الربع وربما أقل والباقي كلام الحاجة إليه قليلة إن لم نقل لاحاجة إليه أصلاً.

وقد كان من هدي محمد _صلى الله عليه وسلم_ الإتيان بالكلم الجوامع، فكلمة واحدة يقولها – صلى الله عليه وسلم – تغني عن الكثير من الكلام وتصبح منهجاً للحياة، يأتيه رجل كما في حديث سفيان بن عبدالله ويقول له – يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا ً لا أسأل عنه أحداً بعدك وفي رواية غيرك فيقول:"قل آمنت بالله ثم استقم" اختصار جامع مانع يعرض به منهجاً للحياة يتضمن ركنين عظيمين عليهما مدار الأمر كله؛ الإيمان، ثم الاستقامة عليه، وهل هلك من هلك إلا بالزيغ أو الضلال بعد الهدى؟

والشاهد أنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يتحدث معه حديثاً طويلاً مفصلاً، ولو عرض هذا السؤال على بعض من يعتنون بتشقيق الكلام وتفصيله لوضع فيه المجلدات، ثم اعتذر بأنه لم يوفي!

إخوة الإسلام هذا منهج آمل أن يفيد منه الباحثون والمؤلفون وأخص المؤرخين وهو منهج القرآن أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهله العاملين بهداه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبع هداهم بإحسان.