أخرجوهم من قريتكم
20 محرم 1426

تدار المجتمعات البشرية اليوم من خلال نخب سياسية لها الأثر الكبير في صياغة قرارها السياسي، ونخب اقتصادية لها طريقتها في توجيه عجلتها الاقتصادية ونخب اجتماعية... ونخب... ونخب إعلامية تفرض هيمنتها على تلك المجتمعات، ولسان حالها يقول لمجتمعاتها: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر: من الآية29).

وتاريخ هذه النخب (الكبراء، السادة، المترفون، الملأ، أو قل المثقفون، الإعلاميون، وغيرهم) يعيد نفسه، وما أشبه تاريخ نخب الليلة بنخب البارحة والتي لم يجعل الله لها نوراً تمشي به في الناس.
ولعلي أقف مع فئة نخبوية في مدة من تاريخ البشرية، تلك النخبة عاشت بالأمس لها فكرها وفلسفتها الخاصة بالحياة، فرسمت لمجتمعها طريق الرقي والتقدم الحضاري كما تزعم!!، وبلغ التجديد والإبداع بهم أن سبقوا البشرية كلها إلى حياة الحرية التي لا حدود لها ولا قيود، فكان الرجال منهم يفعلون الفاحشة بالرجال، فكان سلوكاً بشرياً!! لم يسبقهم إليه أحداً من العالمين، وبلغ بهم الأمر إلى حد الإسراف حتى في نواديهم وأماكن تجمعهم، ولم يسمحوا لأحد أن ينتقد ما هم عليه من مسلك له تميزه في نظرهم!!

فجيشوا كل طاقاتهم السياسية، والاقتصادية، والإعلامية ضد نبيهم لوط _عليه السلام_ والذي كان يدعوهم لعبادة الله وحده، وترك ما هم عليه من الفاحشة، بل وصل بهم الكبر والخيلاء وإعجابهم بسلوكهم الانحلالي إلى أن سعوا جادين لتلويث طُهر أضياف نبيهم _عليه السلام_..

ورغم استمرار نبيهم لوط _عليه السلام_ في تذكيرهم بأهمية مراجعة النفس، وإعمال العقل بصدق لتصحيح المسار، وتكراره عليهم: "أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ" (هود: من الآية78)، إلا أن النخب في ذلك المجتمع أخذت تفكر وتقدر في وسائل التغلب على لوط _عليه السلام_ ومن آمن معه، وتغييب ما جاء به عن حياة البشر، ثم فكرت وقدرت، فقد صدهم الكبر ومنعهم الخوف على مناصبهم ومكانتهم ومصالحهم الشخصية عن قبول النور الذي جاء به النبي لوط _عليه السلام_، وأخذت تحشد الرأي العام للخروج بموقف موحد من لوط _عليه السلام_ ومن معه من المؤمنين الذين أصبحوا خطراً على مجتمعهم الحر وثقافتهم المنفتحة ووحدتهم الوطنية!! _كما يزعمون_.
فنجحوا في كسب أصوات بعض المستضعفين السذج، فقالوا بصوت واحد: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ"، لماذا؟ وما هو الذنب؟ وما هي الجريمة؟ قالوا: "إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ"، فكانت العاقبة والنصر للوطٍ _عليه السلام_ ومن آمن معه حيث أنجاهم الله، وأما المكذبون فكانوا من الغابرين.

وها نحن اليوم نعيش في هذا العالم وكأننا في قرية صغيرة.. فنخب البشرية اليوم الموجهون لكثير من مجالات الحياة والذين يسيرون على غير نور من الله.. لهم أثرهم في هذه القرية العالمية.. إنها نخب لا تحب الطهر في المعتقد بأن الله واحد أحد خلق الخلق لتوحيده، ولا تحب الطُهر في الحياة الاجتماعية فنحرت العفة بسكين الحرية وطعنتها بخنجر العلاقة البريئة، والصداقة الحميمة بين الجنسين، ووأدت الطفولة بحرمانها من حنان الأمومة فأجبرتها على مزاحمة الرجل في ميادين العمل وإشباع نهمته الجنسية و... و....، ولا تحب الطهر الاقتصادي، حيث طحنت الشعوب والأمم برحى الربا والاحتكار و......و.....، ولا تحب الطهر السياسي فأقصت شرع الله وحرمت الشعوب من عدالة الإسلام تحت ستار اللعبة الديمقراطية.

إن منهج وسياسة هذه النخب ومنهج أتباعهم يقول لصنّاع الحياة ومريدي الطهر الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومريدي سعادة البشر من أتباع الرسالة الخاتمة على المبعوث بها _أفضل الصلاة وأتم التسليم_ هو: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف: من الآية82). وصدق الله العليم بما يسرون ويعلنون، حيث قال: "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" (الذاريات:53).

فإلى المؤمنين في أرض الله، وإلى نخبهم العاملة لنصرة دين الله _تعالى_ لا تهنوا ولا تحزنوا إذا ما اتقيتم وصبرتم، وأبشروا فإن الله _تعالى_ قد قال: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" (آل عمران: من الآية120).