أب يتعاون مع ابنه على الطاعة!
22 ذو الحجه 1425
هاني العبدالقادر

في هذا المقال سنختتم تلك العناصر التي بدأناها فيما سبق، والتي كانت ضمن محور مهم من محاور تربية المراهقين، وهو: (بناء الصداقة)، وتذكيراً لكم بهذه العناصر نجملها كالتالي:
أ – اكتشف الإيجابيات الصغيرة. ب – عبّر له عن حبك.
جـ - تحدث كصديق. د – شاركه المتعة.
هـ - شاركه العبادة.
ونحن اليوم مع العنصر الأخير:

العنصر الخامس: شاركه العبادة:
المراهقون والمراهقات مهيؤون تماماً للتدين والاستقامة على الدين بطبيعتهم كمراهقين يقول معروف زريق في كتابه (خفايا المراهقة): "يحقق الدين بالنسبة للمراهق ارتياحاً نفسياً واطمئناناً داخلياً بعد أزمات عنيفة مرت به وأحدثت هزات في كيانه، فهو ملاذ أمين يلجأ إليه المراهق كلما عصفت به مشكلة"ا.هـ، سبحان الله كما أن الله فجر الناحية الجنسية لدى المراهقين فإنه برحمته وحكمته _سبحانه وتعالى_ قابلها بتفجر الناحية الروحية والتعلق بالله، وأما الفئة غير المتدينة من المراهقين فإنك تجد حتماً صارفاً صرفهم عن طبيعتهم، إما أصدقاء سوء أو أجهزة فساد تحارب التقوى في قلوبهم، والأصل أن الفرصة مهيأة لك تماماً أيها الأب وأيتها الأم لاستخدام صمام الأمان الحقيقي لابنك في الدنيا والآخرة، وهو: علاقته بالله، فقط تجنب التوجيه المباشر بقدر الإمكان لكون المراهقين حساسين وينزعجون من الأسلوب الإملائي المباشر، وقد يثير عنادهم، لذلك استخدم التوجيه غير المباشر بقدر الإمكان حتى إذا شعرت أنك نجحت في ربط ابنك بالله ووفقك الله للإخلاص، وشعر ابنك أن نصائحك فعلاً إرضاءً لله، وليس لتحكم فيه وفرض السلطة عليه باسم الدين، عندها تفيد النصائح المباشرة ويتقبلها، وخصوصاً إذا كانت موجزة ومختصرة، تركز فيها على الأمور الهامة والأساسية،وتتجنب غيرها.

هذا لقمان عندما ربط ابنه بالله أهدى نصائحه العظيمة، وجعل نصائحه موجزة مختصرة، وركز فيها على الأمور الهامة والأساسية وتجنب غيرها، ورغم الإيجاز والاختصار والاكتفاء بالقضايا الكبرى لم ينس حاجة ابنه للحب والتلطف فمهد لنصائحه بكلمة الرفق الأبوية "يا بني" ثم لاحظ الوصية التي بعدها "لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"، وفيها إشارة للآباء والأمهات بتعليم أبنائهم العقيدة الصافية وتحصينهم ضد الشرك المتشرك فيه كثير من بلاد الإسلام.

ولا شك أن للتربية الدينية منذ سنوات الطفولة المبكرة وربط كل شيء بالله وتنمية مراقبته في نفس الطفل، لا شك أنها أكبر معين للوالدين عندما يصبح مراهقاً، ومن الاشتراك في العبادة الاشتراك في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وفي قيام الليل _إن أمكن_ اجعل البيت بما فيه من مراهقين يشتركون في التصدق بشيء من أموالهم لمشروع خيري بسيط، كحفر بئر مثلاً أو غيرها من مشاريع الخير، وهناك التبرع الشهري للأسرة كل شهر يشترك الأولاد والبنات والوالدين في التبرع بشيء قَلَّ استخدامه في المنزل؛ شهر بالملابس والأحذية يشتركون في جمعها وغسلها وترتيبها، الشهر الذي بعده بالكتب والمجلات غير المستخدمة، الذي بعده بالأشرطة الإسلامية التي تم سماعها، وشهر بالأواني وأدوات المطبخ التي يرى تجديدها، وآخر بألعاب الأطفال، والذي بعده بالأجهزة الكهربائية وهكذا، إضافةً للناحية التربوية سيحبون الصدقة أكثر من حبهم لممتلكاتهم في المستقبل _بإذن الله_.

ومن أجمل صور الاشتراك في العبادة وأعمقها تأثير الاشتراك مع الأبناء في صيام الاثنين والخميس تلاحظون اجتماع الأسرة حول مائدة الإفطار برمضان ولحظة سماع أذان المغرب ما أجملها مشاعر! وما أحلاه من اجتماع! لا تحرموا أنفسكم وأبناءكم منها كل اثنين وخميس أو على الأقل أيام البيض اشترك مع ابنك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنتِ كذلك أيتها الأم اشتركي مع ابنتك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواءً للأب أو للأبناء في أمر الصلاة وعند الغيبة أثناء الكلام، في أمر التلفزيون، في الاستخدامات الخاطئة للإنترنت، في الإصلاح بين الإخوان أو حتى بين الوالدين، اشتركي معها في الأمر والنهي في مجالس النساء وفي المدرسة وفي السوق، علميها حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عنه الناس" فتتعلم أن رضا الله عنها قبل رضا الناس، وأن الحياء من الله أشد على قلبها من الحياء من العاصيات، وأن الدين يحول ضعفها قوة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، علميها حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذاباً ثم لَتَدْعُنَّ ولا يستجاب لكم" من خيانة الأمانة ألا نعلم أبناءنا وبناتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ما سمعنا هذا الحديث "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذاباً ثم لتدعن ولا يستجاب لكم"..

لا تقولي: ابنتي صغيرة، قال _تعالى_ معلماً الآباء جميعاً في وصايا لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان:17) شجعي زوجك أن يتوقف لتارك الصلاة في الطريق والمجاهرين بالمعاصي يأمرهم وينهاهم، شجعي أبناءك ينهون المغتابين في المجالس والمدارس، دعي أبناءك من صغرهم إذا دخلوا بقالة ينهون من فيها عن بيع الدخان والمجلات الفاسدة، دخلوا مطعماً يأمرون من فيه باستخدام الدجاج المذبوح في البلد الإسلامي، وهكذا نُدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل نواحي حياتهم، فيتعلم المراهق مجاهدة هوى النفس ومجاهدة هوى الناس، ويكتسب الشجاعة والإقدام والثقة والحكمة بالدعوة والصبر على الأذى المرتبط بهذه العبادة العظيمة، لاحظي قول لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ" (لقمان: من الآية17).

ويتعلم أيضاً أن ينتصر للحق ويعلي كلمة الله فتكونون بذرتم في نفس المراهق بذرة الجهاد في سبيل الله، وهذا ما يغفل عنه بعض الآباء والأمهات، وهو: إعداد أبنائهم للجهاد في سبيل الله، وقد نسوا حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "اجتنبوا السبع الموبقات... وقال منها: التولي يوم الزحف" أتحبين أيتها الأم حينما يرفع علم الجهاد ويفرح به العباد ويخلى بيننا وبين إخوان القردة والخنازير أن يكون ابنك من بين كل المجاهدين هو المتولي يوم الزحف؟ الهارب من الله، الفار من الجنة، أتحبين يوم يناديه الحجر والشجر يا مسلم يا عبدا لله هذا يهودي خلفي فتعال واقتله وهو يفر ويهرب؟ أتحبين أن يحمل في رقبته إحدى السبع الموبقات المهلكات؟ ويحمل في قلبه نفاق المنافقين، ويحمل في وجهه ذل الجبناء الهاربين! ويحملك أمام الله خيانة الأمانة في تربيته وإعداده! لا والله ما تحبين، بل تحبين أن تبرأ ذمتك أمام من خلقك، وتحبين أن تتشرفين بجهاده، واعلمي أنكِ تنتظرين لتهيئي ابنك للزواج، ولا تنتظري لكي تهيئيه للزواج من الحور العين.

وإن كنت تحذرين عليه من مصاحبة أصدقاء السوء، فاحرصي على مصاحبته النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإن كنتِ تحذرين عليه من الجرائم والسجون فأخرجيه من السجن الذي هو فيه، قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "الدنيا سجن المؤمن" وإن كنتِ تريدين أن يكون من أهل التجارة والبيع والشراء فعلميه صفقة العمر، قال _تعالى_: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران:169)، وإن كنت تخافين على نفسك من النار فهيئيه للجهاد، فإن الشهيد يشفع في 70 من أهله، وأنت أولى الناس بشفاعته بالآخرة كما كنت أولى الناس بحسن صحابته في الدنيا.

لا تقولي: ولدي صغير، قد علمنا أهل الجهاد من واقع التجربة أنه العمر الذهبي لهذه الفريضة العظيمة، حيث ينجذب الشاب بفطرته السليمة إلى ساحات الجهاد.

يقول د.عبد العزيز النغيمشي في كتابه (المراهقون) ص40:" يتوق المراهق إلى العمل التطوعي والتعاون والجهد الجماعي وتجتذبه ساحات الجهاد وتستهويه وتأخذ بشغاف قلبه لما فيها من القوة والبطولة والتضحية، ولما يترتب على الجهاد من نصرة الحق والحرية والعدالة، ورفع الظلم وما فيه من الحركة والمغامرة..." ا.هـ.

ذكريه دائماً بالجهاد، وأنه ميدان الرجولة واحتقارك للجبناء والمنافقين، وأنه لا يشرفك حين يصير ولدك جباناً مثلهم أو منافقاً، اجعليه يربط حبه لكم ورغبته في بره بالجهاد إذا كنت تحبنا وتريد أن تبرنا جاهد لتشفع لنا، وأي بر أعظم من أن يكون ابنك سبباً في دخولكم الجنة، دعي أباه يتكلم معه عن آيات الجهاد وأحاديث الجهاد الكثيرة جداً وبطولات المجاهدين في القديم والحديث وفضل الشهيد، وعن الجنة وزوجاته من الحور العين وجمالهن وصفاتهن، ودائماً رددوا معه أناشيد الجهاد.. أسأل الله _تعالى_ أن يرزقنا عيشة السعداء وميتة الشهداء ومرافقة الأنبياء، وأن يجمعنا ووالدينا وذرياتنا والمؤمنين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر آمين.