توظيف المعلومة

لابد من أجل نجاحنا في التعليم أن نسخِّر تعليمنا لتحقيق عقيدتنا وتأكيد أهدافنا. إننا وإن تخصصنا في التعليم فكان من بيننا معلم الشريعة، واللغة العربية، والعلوم، والرياضيات، والاجتماع، واللغة الإنجليزية، والتربية الفنية، والتربية البدنية، فإننا لا نزال جزء من جسد واحد ومن أمة واحدة، وعلى عقيدة واحدة هي عقيدة الإسلام، وعلى كل واحد منَّا أن يسخر علومه وقدراته لخدمة أمته وأن يربي تلاميذه على ذلك، عليه أن يستغل كل فرصة تمر عليه من خلال تدريسه لمواد الدراسة للتأثير عليهم..

إن عملية صب المعلومات في ذهن الطالب فقط لن تنبت كلأً ولن تنجح عملاً، فعلى المعلم أن يوظف المادة توظيفاً مثمراً، وأن يعرضها على تلاميذه عرضاً حياً يؤتي أكله ضعفين:

- فيا معلم التاريخ علم الطالب قصص الأنبياء وأمجاد الآباء واغرس في نفسه محبتهم والسعي للتشبه بهم، اكشف لهم زيف المستشرق وتحريفه وعبثه بالتاريخ، حدثهم عن أسباب النصر وطريق العزة من خلال التفسير الصحيح للتاريخ.

- وأنت يا معلم الجغرافيا قف بالطالب مع قدرة الله الباهرة المتجلية في تضاريس البلاد، حدثهم عن حقيقة الحدود بين الدول الإسلامية وأنها لا تَعْد أن تكون حدوداً جغرافيةً لا توهن بسببها روابط الأخوة ولا روح الجسد الواحد، أما الحدود مع الدولة الكافرة فهو أعظم من أن تكون حدوداً جغرافيةً فحسب، بل هي فاصل بين دار الإسلام ودار الكفر ولكل دار أحكامها الخاصة، زد على ذلك أنها تؤكد البراءة من الكافر.

- لا يصح لمعلم العلوم الطبيعية وغيره أن ينقل هذه العلوم للطلاب على أنها علوم دنيوية معرفية بحتة، بل عليه أن يستخرج منها مواطن التأثير ومواضع التربية والتوجيه، عليه أن يعلم تلاميذه منهج الإسلام في التعامل مع ما في هذا الكون مما سخره الله لنا وخلقه من أجلنا، وأنه لا يصح لأحد أن يستغل شيئاً مما في هذا الكون لغرض الفساد والإفساد، عليه أن يربي فيهم عظيم التفكير في مخلوقات الله وعظيم صنعه.

وعليه وهو يدرس طلابه أن يهمس في آذانهم عن أثر علماء المسلمين في إيجاد كثير من هذه العلوم - بادي الأمر- وأنهم أول من بدأ العلوم التجريبية التطبيقية، وأن ما تنعم به أوربا من تقنية وتطور مادي فهو بفضل الله ثم بفضل ما أخذوه من المسلمين أيام نهضتهم، عندها سنبعث في نفس الطالب عزة سفى عليها التراب وأملٌ لفه اليأس.

- وأنت يا معلم الرياضيات حين تعلم تلاميذك الرقم ( واحد ) فاغرس في نفوسهم وحدانية الله، وأنه واحد في ملكه، واحد في تدبيره وقدرته وقهره، واحد في أمره ونهيه.

وإذا ذكرت من الأرقام ما لانهاية له فاخبرهم أن ذلك بالنسبة لعلمنا، أما الله فإنه يعلم نهاية كل شيء "وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً" (الطلاق: من الآية12).

وحين تحسب معهم أنواع الفواكه التي في السلة فاغرس مع الحساب معاني جميلة بنّاءة: فبدلاً من أن تقول أكلت ثلاث تفاحات قل له: خذ ثلاث تفاحات وأعطها الفقير أو قدمها بأدب لوالديك أو أكرم بها ضيفاً أو اجعله يحسب التسبيحات أدبار الصلوات 33+33+34 = 100، والفطن لا يعدم الأسلوب..

- وعلى معلم التربية الفنية أن يوجه رسومات الطلاب إلى أشياء معبرة وكتابات مؤثرة تخدم الإسلام وقضاياه، فبدلاً من أن يغرق في رسم السيارات والبيوت والأشجار علمه كيف يرسم المسجد الأقصى مسرى نبيه _صلى الله عليه وسلم_ وابعث في نفسه الشوق إليه.

اجعله يرسم مآثر المسلمين في الأندلس وغيرها.. وإذا رسم شجرة طبيعة خلاَّبة فاغرس في قلبه تعظيم الله وكيف يبعث فيها الحياة، ثم امنعهم عن رسم ما فيه روح وأخبرهم أن ذلك من كبائر الذنوب «من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».

- وكذا ينبغي لمعلم التربية البدنية أن يؤكد على الطلاب استحضار النية في الرياضة، وأن يتقووا بها على طاعة الله، وألا يكون نشيطاً عند اللعب كسلاناً عند الصلاة، وعليه أن يتابع لباسهم بأن يكون ساتراً ويجنبهم ما فيه الصور والدعايات الفاجرة والكتابات المضللة، ثم عليه أن يذكرهم بنعمة الله عليهم بالقوة والشباب، وأن من أترابهم من لا يجاوز السرير، ومنهم من لا يستطيع أن يطرد عن وجهه الذباب، منعهم المرض فعليهم أن يشكروا الله على ما أعطاهم من نعمة.

أما أنتما يا معلمي الشريعة واللغة، فالمسؤولية عليكما أعظم، والجهد المطلوب منكما أكبر.

- فيا معلم الشريعة عليك أن تغرس في نفوس طلابك تعظيم النصوص الشرعية والتسليم للأمر والنهي، عليك وأنت تعلمه العقيدة أن تحكم عقدها في قلبه وأن تشد رباطها في نفسه، علمه ما في الوضوء والصلاة والزكاة والحج والجهاد من حكم ومحاسن عظيمة، حبب في نفسه قراءة القرآن وحفظ السنة، وأنه يرتفع عند الله وعند خلقه بهذا العلم "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة: من الآية11).

- ويا معلم اللغة العربية: عليك أن تحدَّث طلابك أنك تعلمهم لغة هي أفضل اللغات وأوسعها، كما قال ابن فارس، وأنها هي لغة القرآن التي بها يعرف خطاب الرحمن جل جلاله..

عليك أن تحبب إليهم المادة وتسهلها عليهم بحسن العرض وجميل الشرح، أبعد عنهم الأغاليط واختلافات النحويين إلى حين، اختر الأمثلة المعبرة والقطعة المؤثرة ودعنا من (زيد يضرب عَمراً) وأسمعهم بدلاً منها: (زيد يكرم عَمْراً، أو يحمي خالداً، أو يكسو زينب)، فالمسلم عن بعد يبكي
يتساءل تعلوه الحيرة
لو زيد يرسل أحزانه
خير أم يضرب إخوانه!
لم نسمع في هذا العصر
بأن زيداً يضرب حناً.. أو يضرب أشكول..

إن مسؤولية التعليم مسؤولية ضخمة عظيمة، ومهمة كريمة نبيلة، وحين نوجه جهودنا إلى استثمار التعليم والمواد الدراسية فإننا بذلك نحافظ على أوقات التعليم عن الضياع، ونسارع في خطوات النهوض، ولا نقع في فصام يفصل الدين عن الدنيا والعلم عن والسلوك "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" (المؤمنون:52).