إذاعة صوت الحق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:

الدعوة إلى الله طريقها طويل، لا يسلكه إلا القليل، وكم من الدعاة من يعملون لهذا الدين بصمت باذلين أغلى ما يملكون من أوقاتهم وجهدهم وأموالهم، بلا ملل ولا ضجر شعارهم "لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً" (الإنسان:9، 10) عملهم في الأرض ورجاؤهم برب السماء.
ما أحوج الأمة لمثل هؤلاء الدعاة! وما أحوجنا نحن لسماع أخبارهم ومعرفة أحوالهم! لتكون عوناً لنا في السير على ما ساروا عليه ومنهاجاً يضيء لنا الطريق.
أحبتي الكرام، أنقل لكم صورة مضيئة في هذا الزمن المظلم الذي تسلط فيه أعداء الله على أمة الإسلام.
في بلد تسمى (كواكرو) بجمهورية (مالي) التي تقع في غرب قارة أفريقيا، هذا البلد الذي تضرب الصوفية فيه بأطنابها، يعيش ( حبيب الله نيانتا ) داعياً لله، مبشراً ومنذراً.
هذا الداعية الذي يحمل بين أضلاعه هماً قد تعجز الجبال عن حمله، كثيراً ما كان يسائل نفسه:
كيف أخرج قومي من ظلمات الصوفية إلى نور الحق؟ وما الوسيلة التي أستطيع بها أن أبلغ هذا الحق للناس؟
ويشاء الله الذي لا تخفى عليه خافيه أن يسوق له الخير إلى داخل منزله...!
كيف...؟
لن نطيل...
بل نترك الحديث لهذا الداعية ليخبرنا خبره.
يقول: " في ليلة من ليالي عام 1418هـ، وأنا مضطجع على سريري بعد درس ألقيته، وبينما أنا أستمع لبعض الأخبار في الإذاعة الوطنية، حصل أن أدرت الزر لتحسين صوت الراديو، فإذا أنا بقائل يقول:" تستمعون الآن إلى صوت إذاعتكم المحبوبة في كواكرو"
- وللفائدة: (كواكرو) هي مسقط رأسي ومقري للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى – بعد أن تخرجت من معهد في الجزائر - نهضت نهضة حائر مشتاق، ولم أتمالك نفسي بل لم أستطع النوم بعد سماع هذه الجملة المثيرة.
أتدرون لماذا هي مثيرة؟
لأني أدركت أني لو تمكنت من تركيب مثل هذه الإذاعة، سوف تكون أسرع معين لي – بعد الله - في إيصال هذه الدعوة التي من أجلها استقررت في هذه القرية.
قمت... ولكن إلى أين؟
بدأت الأسئلة تتردد في داخلي..!
أين مصدر هذه الإذاعة؟ ومن الذي سيدلني عليها؟
استعنت بالله وخرجت باحثاً عن مكان الصوت...
لم أزل أبحث حتى دللت عليه، فإذا أنا بشاب بسيط في غرفة لوحده بين أسلاك وبطاريات، سلمت عليه وبعد أن رد علي السلام قلت له: ما أخرجني في هذه الساعة إلا ما سمعته، ولن أطيل عليك الكلام: هل في استطاعتك أن تركب لي مثل هذه الإذاعة؟ على أن تكون دينية فحسب!
قال: نعم، بشرط أن توفر لي لوازمها.
بدون أي تأخير قمت بتوفير ما طلب – وهي لوازم بسيطة جداً وبدائية –
بعد يوم كامل أصبحت أمتلك إذاعة.
وبما أن الله هو الحق، ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ هو الحق، وأن كلامهما حق، ولا ينشر في هذه الإذاعة إلا هذان الحقان، وما يفسرهما ويفصلهما من أقوال الأئمة والعلماء قررت أن أسميها ( صوت الحق )، ولكن..!
عندما بدأ البث اكتشفت أن الصوت لا يصل إلا للحي الذي أقيم فيه فقط.
عندها عقدت العزم على السعي في إيصاله لكل القرية، فاستعنت بمن يعينني في ذلك، حتى يسر الله لي من زودني ببعض اللوازم لتقوية بثها إلى القرية كاملة، بل إلى مسافة ميل أو اكثر خارج القرية، وأصبح يستمع لها أكثر من أربعة آلاف شخص، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، فقد أخرج الله بها أناساً كُـثر من ضلالات الصوفية إلى طريق السنة، فقد كان علماء الصوفية يغطون أعين الناس بخرافاتهم وبدعهم.
أصبحت (كواكرو) تمتلك إذاعة تسمى صوت الحق، ولم تعد تسمع في البلدة إلا هذه الإذاعة، يستمعون خلالها إلى قراءة أئمة الحرمين من أشرطة مسجلة، وما يفسر هذه الآيات، وإلى العقيدة الصافية الخالية من خرافات الصوفية، بل وأصبحوا يتفقهون في دينهم من خلال الدروس العلمية التي تبث عبر هذه الإذاعة، والتي كانت تبث خمس ساعات في اليوم.
أما عند سفري فكانت زوجتي تقوم بتشغيل الإذاعة بعد أن دربتها على ذلك.
بعد ذلك علم أهل القرى المجاورة بخبرها فطالبوني بتمديد بثها لهم – مع العلم أن أكثرهم من الصوفية ولكن من العوام – ولازلت ساعياً في نشرها _بإذن الله_ لينتشر نور الحق لأكثر من عشرة آلاف نسمة.

يقول أهل قريتي: لقد نفعنا الله بها وعرفنا ديننا الحق وأن ما كنا نعيش فيه من قبل لم يكن سوى ضلال. ا.هـ

ما أحوجنا – أحبتي- لأخذ الدروس والعبر من قصة هذا الداعية، والذي لم نسق قصته إلا للعبرة والفائدة لا للتسلية وتقطيع الأوقات، فمن هذه الدروس:
1- كيف لرجل واحد أن يغير في مجتمعه بجهده وقدرته وأن يخرجهم من الضلال إلى الهدى – بإذن الله – وفي هذا رد لمن يعلن دائماً عجزه عن العمل الفردي.
2- نعم الحماس لهذا الدين مطلوب، ولكنه وحده لا يكفي إذا لم يكن مقروناً بالعلم الشرعي المؤصل.
3- من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، فعندما كان هذا الداعية صادقاً في عمله يسر الله له القبول بين الناس، وانتشار دعوته في بلده والمناطق المحيطة بها.
4- حاجة الدعاة إلى تطويع الوسائل الحديثة لخدمة الأهداف السامية كبير، بل والتفنن في ذلك، وخاصة في هذا الزمان الذي تتجدد فيه وسائل الاتصال بصورة كبيرة، واستخدامها للوصول السريع إلى قلوب الناس.
5- كما أن النساء شقائق الرجال فلهن نصيب كبير في خدمة الدعوة، فحري بكل داعية أن يشرك أهله في الدعوة إلى الله ، بل ويجعل لهم نصيباً فيها.
هذه صورة مشرقة لحملة لواء الدعوة تتوارثها الأجيال، بدأت من عصر النبوة لتبقى معيناً لا ينضب، ونهراً متدفق ومشعلاً في طريق الدعوة إلى الله.
فهل بادرنا بالعمل لهذا الدين، هل قارعنا أعداء الله في تفننهم لوسائل نشرهم للرذيلة بأن نتفنن بأساليب نشر الفضيلة.

أسأل الله – جل وعلا – يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضيه عنا، إنه على ذلك قادر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.