التربية الخاصة

تربية الطفل اليتيم:
الطفل اليتيم يحتاج إلى تربية خاصة، ويلحق به من فقد والديه أو أحدهما بمرض مزمن أو طلاق أو سفر أو جهاد أو غيرها.
وأهم احتياجات الطفل اليتيم الإشباع العاطفي والإحساس بالأمن، ووجود بديل عن الوالدين أو أحدهما يقوم بالتوجيه والتهذيب، كما يحتاج إلى التوافق الاجتماعي مع البيئة الجديدة وتقبُّل فكره المربي البديل.
واليتيم يشعر بالضعف وفقدان عناصر القوة، كما أنه يفقد المصدر الحقيقي للحنان، ولذا حثَّ الإسلام على إشباع حاجاته ورتب الأجر العظيم لكل من يسدي المعروف إليه.
وتختلف حالات اليتم، فهناك اليتيم الوحيد الذي يموت والداه أو أحدهما وهو صغير فيسهل دمجه في بيئة جديدة ويتوافق معها بسرعة، ويمكن للموجود من والديه الزواج ويربى مع إخوته الجدد دون اضطرابات نفسية، بشرط أن يكون المتزوج من أرملة أو مطلقة لها طفل، على قدر من الوعي، وكذلك المتزوجة من أرمل أو مطلق.
وقد يفقد الطفل والديه أو أحدهما وله إخوة كبار راشدون يتولون تربيته، فيحل الأخ الأكبر محل والده بشرط أن يتمتع بشخصية قوية وحازمة، وعلى الأم أن تحترمه وتتعاون معه وتسلم له القيادة ظاهراً؛ لأن ذلك يعود الصغار على الانقياد للأخ الكبير ويتعود هو على تربيتهم، ولأن الأم مهما كانت قد تكون الآمرة والناهية، وتسيطر على الصغار ولكن إذا راهقوا صاروا يحتاجون إلى سلطة موجهة من نوع آخر هو الأخ الأكبر.
وقريب من ذلك الطفل اليتيم أو فاقد أحد أبويه بالطلاق أو الغياب الدائم أو المرض، فإذا كان وحيداً وعزفت أمه عن الزواج وبقيت عند أهلها، أو كان لها عدة أطفال، فهنا لا بد من سلطة موجهة كالجد أو الخال، ولا بد أن تسلم الأم لهذا البديل زمام الأمور حتى إذا كبر الأطفال وانفلتوا من سلطة الأم تبقى سلطة الجد أو الخال، والرجل عادة أكثر حزماً وأتم عقلاً من الأم التي تنساق بفطرتها نحو الدلال والتراخي.

وهناك وسائل تضمن – بإذن الله – سلامة الطفل النفسية والتربوية، وهي:
1- أن يكون المربي البديل على قدر من الوعي وتحمل المسؤولية، وأن يفهم مشاعر الأيتام فهماً تاماً، وكذلك أبناء المطلقة، وأن يشبع حاجتهم إلى الحب والحنان، وعدم التفرقة بينهم وبين الأبناء ما أمكن.
2- الحزم في التربية؛ لأن اليتيم غالباً يعامَل معاملةً فيها تساهل وإفساد، والواجب معاملته كالابن تماماً في التربية والتقويم.
3- إتاحة الفرصة له ليختلط بالأطفال الآخرين إذا كان وحيداً، وعدم إبداء القلق عليه، وعدم التدخل الدائم في أموره، وبهذا تساعده لينضج عقلياً واجتماعياً، وعلى الأم في مدة المراهقة بالذات أن تشعر الطفل بمسؤوليته في الحياة، وأنه مَعْقِد آمالها حتى تساعده على النضج والاتزان.
4- في حالات الطلاق على الوالدين أن يرتقوا إلى مستوى من النضج النفسي حتى ينشأ الطفل سويّاً بلا عُقد وأمراض، فيتبادلان الاحترام والتقدير ويرتفعان عن الاتهامات والمشاكل، وهذا يكفل سعادة الطفل وحبه لوالديه وحفظ حقهما في التربية والإصلاح؛ لأن احترام كل من الوالدين للآخر يحفظ في ذهن الطفل تلك الصورة المثالية التي يراها متمثلة في والده ووالدته، ولكن إذا أقبل كل منهم على ثلب الآخر وسبّه أمام الطفل اهتزت ثقة الطفل بوالده أو والدته ونقص احترامه لهما أو لأحدهما، وعندها لن يتقبل توجيهاته وتربيته.

تربية الطفل الذكي بين الأفراد والمؤسسات:
التربية الخاصة يحتاجها الطفل الذكي؛ لأن المواهب إذا لم تكتشف مبكرة تموت، إذ لا بد من تطويرها، كما أنه قد يعتريه الإحساس بالغربة والوحدة بسبب الفرق بينه وبين أقرانه.
ويمكن اكتشاف ذكاء الطفل من خصائصه فهو أكثر استجابة للأوامر بسبب نضجه العقلي، ومتعاون، يتعلم بسرعة ويفكر منطقياً ويسأل أسئلة دقيقة، ويميل إلى من هو أكبر منه ويقلده تقليداً واعياً، ويميل إلى الابتكار، ويكره التكرار الرَّتيب.
وعلى المربي مسؤولية المحافظة على صحة الذكي وتنمية قدراته، ولذلك وسائل منها: التوسط في معاملة الذكي والتوسط في تقدير مواهبه، فالتحدث عن ذكاء الطفل بإسراف يخلق فيه الغرور، والتساهل بذكائه يخلق له مشكلات نفسية، فيكون التشجيع مناسباً، ويجب أن يوجد له بيئة مناسبة لاحتواء مواهبه، وأن يمده بالمواد والوقت ليكتشف ويبتكر، كاللُّعب التعليمية والكتب المصورة والأشرطة العلمية المصورة والمسموعة، والألعاب التي تعتمد على ذكاء الطفل ومهاراته.
وأما المؤسسات فكثيرة، منها: المكتبات ومراكز المعلومات والمدارس، وقد أُفردت مدارس خاصة للأذكياء، ولكن كثيراً من علماء التربية يرون أن من الخير دمج الأذكياء مع غيرهم في المدارس العامة على أن تخصص لهم فصول مستقلة، كما اقترح بعض التربويين إتاحة الفرصة للأذكياء ليدخلوا المدرسة قبل السن المقررة، على أن يتم تزويد فصولهم بالأجهزة والمعامل والكتب وكافة الوسائل الممكنة، ووضع مناهج تقوم على فكرة التنوع، وتتميز بالمستوى الرفيع الذي يناسبهم.

تربية الطفل المريض أو المعاق، وتغيير وسائط التربية بحسب المرض:
للمريض تربية خاصة، ويختلف المريض مرضاً جسدياً عن المريض مرضاً نفسياً، ويختلف المريض مرضاً مزمناً عن المريض مرضاً طارئاً.
1- الطفل المريض مرضاً طارئاً يؤثر في حياته، وبخاصة إذا لزم الأمر وضعه في المستشفى وحرمانه من أسرته، حيث تتأثر شخصيته وطباعه وتطوره العقلي والاجتماعي، ولتفادي الأضرار الجانبية على الطفل ينبغي أن ترافقه أمه أو أحد أقاربه أثناء مدة علاجه، وللعامل النفسي أثره في تعويد الطفل على الصبر والشجاعة ومنبع هذا الإيحاء إليه بأن هذا الألم خفيف ولا يضر، وأنه طفل شجاع يتحمل الإبرة والدواء المر، وليتحقق ذلك لا بد من الابتعاد عن كثرة سؤال الطفل عن موضع الألم، ومحاولة إخفاء مشاعر الشفقة والبكاء ؛ لأن إظهار هذه المشاعر يضعف الطفل ويقوي إحساسه بالألم، كما يحسن إشغاله باللعب والهوايات التي تناسب وضعه، وأما إعطاء المريض الدواء فيكون بالملاطفة والمسايرة والابتعاد عن القوة، والحذر من الكذب والادعاء أن الدواء حلو وهو بخلاف ذلك، وليحذر المربي من استمرار التساهل والتدليل بعد الشفاء فقد يتعود الطفل عادات سيئة، أثناء مدة المرض، فبعض الأطفال يطلب أشياء أثناء مرضه ويجاب طلبه؛ لأنه مريض، وقد يشتهي نوعاً من الطعام فيُسن إعطاؤه إياه لمساعدته في مدة المرض، وإذا تماثل للشفاء فيجب عدم تدليله أو استمرار طلباته الزائدة أو نومه في أحضان والدته أو كثرة حمله وغيرها من العادات السيئة.
2- الطفل المريض مرضاً مزمناً أو المعاق؛ إذ يسهم هذا المرض في حرمان الطفل من كثير من فرص التعلم، وقد يشعر باحتقار الذات والدونية، ولا يحتاج إلى توجيهات، منها:
- احترام الطفل والنظر إليه نظر حب ورحمة، وأن يشعره أهله بتميزه عن غيره بالذكاء والمواهب الأخرى، حتى يزول شعوره بالنقص، ويجب أن يعامله كذلك كل من حوله مبتعدين عن الاستهزاء والتحقير.
- تهوين الضعف الصحي، وتقديم العلاج اللازم له، وإذا احتاج يُلحق بالمراكز التي تحتوي من هو مثله.
- تصحيح السلوك الخطأ ومساعدته على التوافق الاجتماعي، وهذا يعني أن مرضه لا يمنع من تأديبه والحزم تجاه سلوكه المنحرف.
- إعداده ليمارس مهنة ليكسب منها قوته، وذلك بالاستفادة من قدراته العقلية والبدنية، ومحاولة تنمية مواهبه بالتشجيع والتدرج.
وأما المريض مرضاً نفسياً فيحتاج المربي إلى إرشادات الطبيب المعالج بشأن تربيته حسب حالته النفسية.

_______________
(*) من كتابها (كيف تربي ولدك).