غير التهديد يجدي أيضا..

غير التهديد والتخويف يجدي أيضا

(((مشكلة)))
تكاد تتوقف تربية الكثير لأبنائهم على أسلوب واحد هو الأوامر المباشرة المقترنة بالتهديد عند عدم التنفيذ، وعندما يخطئ الطفل أو يزل فإن أساليب فجة تستخدم معه لمنعه من الوقوع في خطئه مرة أخرى، رغم كونه لا يزال طفلاً، ربما لا يفهم –كثيراً- لغة التهديد التي تمارس ضده، فالعقاب هو الحل الأوحد إن لم يفعل، أو إن فعل.

كما أن الحرص على تنمية مراقبة الله- تعالى- في نفوس أبنائنا يجعلنا أحياناً نخوفهم منه – سبحانه- وننسى أن هناك أساليب أخرى قد تكون أجدى في تقويمه، وآخر الطب الكي.


(((نظرة)))

إن الله – تعالى- في كتابه الكريم حينما خوفنا من أليم عقابه وناره، فإنه قد رغبنا في جنته ورحمته، بل رحمته وسعت كل شيء، وجنته عرضها السماوات والأرض، ورحمته سبقت غضبه.

(((ومهارة)))
وإننا حينما نريد أن نطلب من الطفل أن يصلي مثلاً فإن الأجدر أن نذكره بعاقبة الصلاة وأجرها وثوابها، قبل أن نهدده بالعقاب إذا تركها، وكأننا نرسم له طريق الخطأ.

وعبادة الله تقوم على أركان ثلاثة: الحب، والخوف، والرجاء، فلماذا ننزع إلى جعل الرب – سبحانه- أداة تهديد فقط؟

ألا يمكن لنا أن ننمي في نفس الطفل محبة المنعم – سبحانه- ورجاء ما عنده قبل أن نهدده؟
وإنك حينما تقدم على عمل ما فإنك تعمل به بكل شغف وشوق وأريحية إذا كان الرجاء يحدوك، ويحرك أركانك، فتقوم بعمله بإتقان بالغ.

ومن الرجاء الموجود لدى المربين أنفسهم استخدام الحوافز والجوائز التشجيعية التي تزيد المتربي شوقاً للعمل، وهذه الحوافز ليست هي الحوافز المادية فقط ، بل هناك أمور أخرى من الحوافز معنوية لها وقعها العميق في نفس الطفل.

(((خذ مثلاً)))
التشجيع، والألقاب الحسنة، والنزهة، بل والقبلة وغيرها من الأمثلة التي تناسب من تحت يدك، سواء كان طفلاً أو شاباً.



(((أما الجانب الآخر والأهم فهو: التربية بالحب)))

الحب هو تلك العبارة الرقراقة التي تنساب معها النفس بكل أريحية، فتنبسط لها الأسارير، وتعمل الجوارح دون كلل أو ملل، ودونما ضجر أو تأفف.
الحبيب يلمح إلى محبه بمراده، فيسارع المحبوب لتلبية إلماحه دون طلب صريح، فما بالك لو كان الطلب صريحاً؟

حينما يتربى طفلك في بيت تكتنفه المحبة وتظلل جنباته، وتنمو بذور المحبة في أحشاء هذا الطفل، ولا يزال يكبر وتكبر المحبة معه، فإنه إن شم من محبوبه –والذي يمارس معه دور التربية وزرع المحبة المتبادلة- طلباً معيناً يسارع لتلبية ذلك الطلب دون الإلحاح المعتاد.

وهكذا نحن نرى حال المحبين، المعلم المحبوب يرغب كل التلاميذ في تلبية رغباته، بل يعدون خدمته وجلب كأس من الماء له نوعاً من البر ورد المعروف له.

ولا شك أن كل الآباء الأسوياء يحبون أبناءهم، إلا أن شدة المحبة تجعل الكثيرين لا يبدون المحبة لهم خوفاً من ((الدلع)) والدلال، ويريدون من الأبناء أن يسلكوا الطريق السوي بأسرع وقت، ومهما كانت أعمار أبنائهم فإنهم لا يريدون منهم أن يخطئوا، وربما جعلوا من الخطأ الصغير كبيراً وهماً لا يفارقهم؛ لأن الطفل –كما يزعم- لم يستفد من التربية التي تلقاها من والديه عبر سنوات شيئاً!! لذلك قد يستخدمون لغة القسوة للتعبير عن عدم رضاهم بالخطأ، وبعد ذلك يحق لنا أن نقول: أليس من الممكن أن نجرب لغة ((المحبة)، ونعرض عن القسوة لنجعلها آخر الحلول الممكنة؟ خصوصاً حينما يبلغ الطفل سن العاشرة فما فوق بشروط ليس هنا محل تفصيلها.


(((مثال(((
بإمكاني حينما يخطئ ولدي أن أبين له خطأه بكل المحبة والود، فأقول على سبيل المثال: إن محبتي الكبيرة لك تجعلني أطلب منك هذا الطلب، لا سيما وأني قد تعاركت مع السنين، وأبدت لي –يا ولدي- أننا بهذه الطريقة نكون أسوياء، وسوف تتعارك معها أنت وستجدها كما وجدتها، فها أنا أدلك على الطريق فاختصر المسافة وابدأ من حيث انتهيت، ولا تحسبني في معزل عن جيلك وما يدور في خلدك، وإنك مدرك ما أقول لك لا محالة –إن كنت من الأحياء- طال الزمان أم قصر، بعد نضوج فكرك.
وهكذا حدثه بلغته التي يفهمها والأسلوب المناسب له.

إن من تحت يدك حين يدرك إدراكاً تاماً أن ما تقوم به يصب في مصلحته سوف يسارع في الإقدام عليه، لكن المشكلة هي أن يكون اللجوء إلى هذا الأسلوب هو الحل الأخير.

فكثير من الآباء يبدأ باستخدام القسوة زمناً طويلاً فإذا تبين له بعد زمن عدم جدواها راح إلى الطرف الآخر المغاير تماماً فوقع في الدلال، وهيأ لابنه كل ما تهفو إليه نفسه دون تردد.

(((ليس دائماً)))

وأخيراً أحب أن أبين بأنه ليس المراد باستخدام أسلوبي الحب والرجاء قبل التخويف أن يغرق المربي من تحت يده بالدلال، ثم إذا لم ينفع بدأ في استخدام العقاب، ولكن المقصود أن يستخدم هذه الأساليب متنوعة بحسب ما يفيد في تلك الحال.

فقد يحث ولده على صلاة الفجر مثلاً، ويبين فضلها وأجرها عند الله، بل لا بأس بأن يعده بهدية إن هو صلى، كما يجب ألا ينسى أن يذكر ابنه بأن أداء الصلاة نوع من شكر المنعم - سبحانه-، فهو الذي رزقنا نعمة النوم، ونعمة الفراش الوطيء و...، فهو الحقيق بالشكر العملي، ولا بأس بأن يخوفه من عقاب تركها إن قرأ في عينيه الكسل عنها، فإن رأى أن شيئاً من ذلك لا يجدي فله أن يستخدم شيئاً من القسوة يبدؤها بالنظرة القاسية وينتهي بالضرب غير المبرح مبتعداً عن الإهانة والتجريح ونحوه، ثم لا يمل بعد ذلك من تكرار هذه الأساليب، ويجمع إليها شيئاً من الدعاء الملح، واستخدام أساليب أخرى مجدية، كإثارة روح التنافس بين الأبناء، أو مع غيرهم، وذكر أحوال السابقين في هذا المجال، وغير ذلك من الأساليب التي ثبتت جدواها.

ولك خالص شكري وتقديري.