أنت هنا

إِذَا عَزَّ أَخُوكَ فََهُنْ
10 ربيع الأول 1424

بسم الله الرحمن الرحيم

حين طلب إليَّ فضيلةُ الدكتور ناصر العمر؛ أن أكتب مقالاً لموقعه الجديد (( المسلم )) اعتبرت هذا بمثابة الأمر اللازم؛ لاعتبارات عديدة.
فعلاقتي مع الشيخ ناصر علاقة قديمة؛ يقارب عمرها الثلاثين سنة، وهي حافلة بكل معاني الصفاء, والوفاء.
وفي فترة السجن؛ قضينا خمس سنوات تقريباً؛ يتاح لنا فيها -بين الفينة والفينة- اللقيا في غفلة من عين الرقيب. وأحياناً كثيرة تحت سمعه وبصره, ثم استأنفنا مسيرتنا الدعوية في جو من التواصل, والتعاون.
ولعلي أذكر أن أبا بدر من أوائل من استجابوا للكتابة في موقع ( الإسلام اليوم ) وستكون مقالاته تلك حلقة في (كتاب الإسلام اليوم ) بإذن الله!
وتدشين هذا الموقع الجديد (( المسلم )) الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ؛ هو بشرى لنا ولكل المهتمين بأمر الدعوة على الشبكة العنكبوتية. والأمل ألا يؤثر على عطاء الشيخ لموقعه الثاني القديم.
والناظر فيما يكتب اليوم في الإنترنت؛ يلحظ جرأة محمودة في الطرح, والتناول للقضايا؛ تؤذن بانقراض زمن الصمت, وميلاد عصر المشاركة, والمصارحة, وحوار الآراء.
وعلينا أن نتقبل هذا الواقع لاعتبارات كثيرة؛ من أهمهما: أنه يفضي إلى تكريس دور الفرد, وواجبه, ومسؤوليته، ويخفف في نهاية المطاف من الاحتقان والتوتر- الناجم عن المصادرة والإلغاء- والقضاء على خصوصية الإنسان.
فمناخ الحرية المعتدل هو الأفضل لبناء أناس أسوياء راشدين معتدلين؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً, بعيداً عن مؤاخذة الناس, ومعاجلتهم. وما ضرب خادماً ولا امرأة, ولا أحداً؛ إلا أن يضرب في سبيل الله.
وقال له رجل : اعدل يا محمد ؟ فقال: ويحك! ومن يعدل إذا لم أعدل ! وانتهى الأمر عند هذا الحد!
وقال آخر : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ! فقال صلى الله عليه وسلم : رحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من هذا؛ فصبر !
وأنـزل عليه ربه سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الأحزاب:1) وقوله : ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه)(الأحزاب: من الآية37)
وقوله : ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) (النساء: من الآية105)
وقوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) (عبس)
وقوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى *وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)
وقوله : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:67) ومن حوله كان ا لمنافقون, واليهود, وضعفاء الإيمان؛ من الأعراب وغيرهم .. فكان يتلو عليهم جميعاً هذا القرآن, وهم يتحفظونه ويقرؤونه في صلاتهم ومجامعهم؛ ولهذا اختار صلى الله عليه وسلم أن يكون عبداً رسولاً. فليس له سيماء الملوك, وأبهتهم في الهيبة المتكلفة, والوقار المفرط. وقد رآه إعرابي؛ فاضطرب! فقال صلى الله عليه وسلم : هون عليك؛ فإني أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة !
ومن أكثر أصحابه هيبة وقوة عمر بن الخطاب. وفي خلافته كان يأتيه أبي بن كعب من صغار الأنصار؛ فيرد عليه في مسألة علمية, ويقول له : يا ابن الخطاب لا تكونن عذاباً على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ! فيعتذر الخليفة, ويقول : خفي على هذا من أمر رسول الله ؟ ألهاني عنه الصفق في الأسواق !
إن الرجوع إلى هذا النمط في العلاقة بين الناس- من العلماء, والمتعلمين, والعامة- ضرورة في هذا العالم المتغير . والحديث موصول بإذن الله.