16 رجب 1428

السؤال

إن كنت تحمل هما دعويا وتستقطع له جزءاً كبيراً من وقتك، ولكن لا ترى أنك مناسب لهذا المكان؛ لأنك لا تملك أسلوباً تستقطب به الشباب (الضحك والدعابة, القيادية المُوهبة من الله .. إلخ) وخصوصاً أن أقرانك يأتون إليهم المدعوون ويخبرونهم ببعض الخصوصيات الدقيقة والتي تعينهم على أداء رسالتهم الشريفة، وأما أنت فلا ترى أثراً لبَذلك وجهدك البتة.. فما توجيهك؟

أجاب عنها:
د. إبراهيم النقيثان

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم أخي الكريم: حفظك الله ورعاك، وإنني لأكبر فيك هذا الهم الدعوي فهذه نعمة لا يعرفها إلا من تراجع أو انشغل عن الدعوة، فاحمد الله على هذه المنحة الربانية واشكره عليها. أخي: ألحظ في كلماتك بداية فتور عن طريق الدعوة ذلك الطريق المستقيم طريق الأنبياء والرسل، فاحذر من تسويل الشيطان ووسوسته. أخي العزيز: دعني أناقشك من خلال كلماتك حفظك الله. قولك - رعاك الله -: (ولا ترى أنك مناسب لهذا المكان لأنك لا تملك أسلوباً): من حكم بهذا الحكم ألم تكسب أصحاباً ألم يهتدي أو يستمر في الطريق المستقيم على يديك شباب؟! إن الإجابة ستكون ولا شك بنعم!! إذن لا مصداقية لوسوسة الشيطان تلك. ثم ألا ترى الحاجة الماسة للدعوة في أوساط الشباب خاصة في زمننا هذا حيث الفتن والأهواء والشهوات، وحيث كشّر بعض المنافقين والمتربصين بالإسلام وشبابه عن أنيابهم؟ فإذا تراجعت بحجة (عدم المناسبة) فلمن تترك شباب المسلمين يا صاحب الهم؟! أيتركون لمن يميعون الدين بحجة الواقع؟ أم نتركهم فريسة لأصحاب الأهواء؟ أم نتركهم صرعى الشهوات؟ أخي الكريم: كما لا يخفى عليك أن دافعك للقيام بالدعوة هو أداء الواجب خاصة في هذا الزمن، ولذا لا غرابة أن يقول أحد أئمة هذا العصر إن الدعوة فرض عين!! ثم يا أخي لا يخفى عليك أن الأجر ليس مرتبطاً بالاستجابة بل الهداية بيد الله وليس على المرء سوى البلاغ والأجر مترتب على البلاغ والبذل، ولا يخفى عليك أن الهداية ليست بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه كما قال تعالى: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص:56). أخي: إن دورك في البلاغ ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهذا توجيه الخالق سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه من بعده كما قال تعالى: "فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (آل عمران: من الآية20)، وقوله تعالى: "أنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (المائدة: من الآية92)، وقوله جل شأنه: "مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ" (المائدة: من الآية99)، وقوله جل وعز: "فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" (الرعد: من الآية40)، وقوله: "فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (النحل: من الآية35)، وقوله: "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (النحل:82)، وقوله جل شأنه: "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (العنكبوت: من الآية18)، وقوله: "وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (يّـس:17)، وقوله سبحانه: "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ" (الشورى: من الآية48)، وقوله سبحانه وتعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" (التغابن:12). عذراً أخي إن أطلت في ذكر بعض الآيات التي لا أخالها تخفى عليك، لكن لعل في قراءتها طرداً لبعض الوساوس التي يوردها الشيطان بحجة مصلحة الدعوة أو مصلحة المدعوين. أخي الحبيب: أما قولك (لا تملك أسلوباً تستقطب فيه الشباب: الضحك والدعابة، القيادية، الموهبة من الله...) إنك لو جلست مع نفسك جلسة مصارحة ومكاشفة، لعنفت نفسك في ظلمك لها فكل إنسان لديه من المواهب ما ليس لدى الآخرين، وأنت أعلم بنفسك، فتّش عن هذه المواهب وأبرزها ونمّها وسخّرها للدعوة. ثم اعلم أخي أن الضحك والدعابة ليست هي كل شيء في اجتذاب الشباب وتقريبهم، ولا كل الشباب يفضلون هذا الأسلوب، إلا أن التبسط مع المدعوين أمر مطلوب وهذا يُجيده كل إنسان، أما القيادية فهي درجات ومستويات وليس مقصودك أن تكون ذلك القائد الهمام والذي يشار إليه بالبنان!! حاشاك من ذلك أن تكون الدعوة غرض لهدف دنيوي خسيس إنه صلاح شباب الأمة على يديك خير عظيم ولا يخفى عليك هذا المعزز العظيم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "فوالله لئن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير. أما قولك (فلا ترى أثراً لبذلك وجهدك البتة) فأقول قد لا ترى ذلك سريعاً، ولكنك صاحب البذرة الخفية والتي تؤتي ثمارها بعد حين، فلا تستعجل النتائج وقطف الثمار وتذكر كم أمضى المصطفى عليه السلام في مكة يدعو إلى دين الله وكم أسلم على يديه في تلك الفترة، ثم لا تنسَ ما سبق الإشارة إليه أن الأجر من الكريم الوهاب ليس على النتائج وإنما على الجهد، فإياك إياك من ربط الدعوة برؤية الثمار اليانعة.. سر على بركة الله ولا تنظر لنصائح إبليس اللعين، استمر ولا تلتفت للوراء. هذه توجيهاتي لك مع دعائي لك بالتوفيق والسداد والإخلاص والثبات. كما أنصح بقراءة كتاب الفتور الأسباب والمظاهر والعلاج أو تلك الأشرطة ففيها مزيد توجه وإيضاح. وفقك الله وسددك.