25 شوال 1427

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. في البداية أود أن أوجه الشكر لإخواننا القائمين على موقع "المسلم" بصفة عامة، و"القسم التربوي" على وجه الخصوص، على ما يقدمونه من جهد لخدمة الإسلام والمسلمين، أسأل الله أن يتقبل جهدكم وأن يجعله في صحيفة حسناتكم .. آمين .. وبعد:<BR><BR>سؤالي حول الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم الذي يسير في طريق الدعوة إلى الله _عز وجل_، أرجو التفصيل والإبانة.. وجزاكم الله خيراً.<BR>

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بك، وشكر الله لك ثِقَتَكَ بإخوانك في موقع"المسلم"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًّا.. آمين، ثم أما بعد: اعلم – حفظك الله- أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا"( 45/ الأحزاب). وقد أثنى الله على الدعاة، لكونهم يقومون بأعظم مهمة ألا وهي تعريف الناس بخالقهم، وما يجب عليهم تجاهه من التقديس والتعظيم والعبادة، ووجوب الشكر على نعمائه، والصبر على بلوائه، فقال عز وجل في محكم التنزيل :"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(33/ فصلت). وقد بين لنا رسولنا، صلى الله عليه وسلم، الأجر العظيم الذي ينتظر الدعاة إلى الله، عندما قال:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا" < , كما علمنا المشرع العظيم أن أول السبيل صحة الاعتقاد وسلامة العقيدة وتمام التوحيد الخالي من الشرك بكل صوره مهما صغرت فالدعاة إلى الله هم أهل التوحيد الخالص والعقيدة النقية والقلب الشفاف لأنهم يحملون أعلى راية ويشتغلون بأشرف عمل .. كانت هذه - أخي الحبيب- مقدمة لا بد منها، أما عن سؤالك عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله؛ فإنني أستعين بالله وأقول: إن الداعية إلى الله طبيب، يكره المرض لكنه يحب المريض، وحتى ينجح في مهمته الإنسانية التي كلفه الله بها، فلابد أن تتوافر فيه الشروط التالية:- 1- التجرد وإخلاص النية لله: فكلما كان الداعية تقياً نقياً، متجرداً في دعوته، لا يبتغي بها وجه الله عز وجل، كلما تقبل الله دعوته، وأعانه على أدائها، وحبس له عليها الأجر الوفير، والإخلاص سر من أسرار الله لا يعطيه إلا لمن أحبه، قال تعالى:" وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [282- البقرة]. 2- معرفة فضل وأهمية الدعوة: فإن معرفة الداعية لفضل الدعوة، وأجر الدعاة إلى الله، يكون حافزاً ودافعاً للتفاني في الدعوة، وإن من أخطر الأمور ألا يعرف الداعية قيمة الجوهرة التي ينقلها، ولا أهمية الرسالة التي يحملها. 3- الرغبة في السير بطريق الدعوة: فكلما كان الداعية محبًّا لهذه الدعوة، راغبا للسير في طريقها، كلما كان عمله متقناً، فلا يصلح للسير في هذا الطريق إلا من دخله بحب ورغبة، ومن سار فيه بقناعة ووعي. 4- الصبر الجميل: فمما لا شك فيه أن الصبر من أهم الخصال التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله، في كل المراحل؛ ومع كل العناصر، فهو محتاج إلى الصبر للحصول على العلم الشرعي اللازم للدعوة، ومحتاج للصبر في التعامل مع المدعوين، الذين يستهدفهم بدعوته، محتاج إلى الصبر الجميل لمواجهة العقبات التي ستعترض طريق دعوته. قال تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ". 5- التحلي بالخلق الحسن: فينبغي على الداعية أن يكون من أحسن الناس أخلاقاً، فيكون صادقاً لا يكذب، أميناً لا يغش، وفياً لا يخون، عفيف اللسان، فإذا وعد لا يخلف، وإذا حدَّثَ لا يكذب، وإذا عاهد لا يغدر، وإذا خاصم لا يفجر، ألم تر كيف أعد الله نبيه لتحمل مهام الدعوة بخصلتي الصدق والأمانة، حتى اشتهر بين الناس – كل الناس- بأنه الصادق الأمين، يصدقه الناس فيما يقول، ويأتمنونه على أسرارهم و أموالهم. 6- التسلح بالعلم الشرعي: فهو زاد هذه الدعوة، وزيتها المحرك، وعلى قدر علم الداعية يكون قدره، ومكانته، ولا يصلح لهذه الدعوة إلا من ملك أدواتها، وفي مقدمتها: معرفة القرآن الكريم وتجويده ومعاني تفسير هو معرفة مواد العقيدة الإسلامية وفروعها وما يتعلق بها ودراسة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ودراسة الفقه الإسلامي وتاريخ أمة الإسلام وغيره . 7- الاتصاف بالحكمة والحنكة: فلابد على الداعية أن يكون حكيماً، نافذ البصيرة، بعيد النظر، والحكمة هي وضع الشيء المناسب، في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بالقدر المناسب، والحكمة تقتضي أن يكون عارفاً بما يجب تقديمه، وما يمكن تأخيره، وأن يكون مدركاً للضروري والحاجي والتحسيني، عارفاً بترتب الأولويات، والمراتب والدرجات... إلى آخر هذه الأمور المهمات. 8- الخبرة والتخصص: فعلى الداعية أن يكون خبيراً بالوسط الذي يدعو فيه، خاصة بعدما أضحت الدعوة بحراً واسعاً، وبناءً فارهاً، وأقساماً شتى، فـ"الدعوة بين الطلاب" لها فقهها ولغتها، و"الدعوة بين العمال" لها طريقتها التي تلائمها، و"الدعوة العامة" لها أسلوبها الذي يناسبها، و"الدعوة النسائية" لها خصوصيتها، وهلم جرا.... ولكل قسم من هذه الأقسام أدواته ووسائله التي تناسبه، وليس كل من سار في طريق الدعوة مؤهل للعمل في كل فرع من فروعها، وكلما كانت الدعوة أكثر تخصصاً كلما كانت أكثر نجاحا وتفوقاً. 9- الوعي بما يحاك للدعوة من مخططات: فلا بد على الداعية إلى الله أن يكون واعيا بما تعاني منه الدعوة من مشكلات بسبب كيد الأعداء الذين يدبرون بليل، ويخططون ليل نهار، لوأد صوتها ومحاصرة نشاطها، وتشويه صورتها وتجريم حملتها، فيكون ذكياً يفوت عليهم الفرصة، و يفسد عليهم الخطة، وألا يكون – بسوء فهمه – أداة تدمير ومعول هدم لجهود بذلت، وخطوات وأشواط قطعت.ا 10- الاستعداد لتحمل الأذى في سبيل الله: فلا بد على الراغب بالسير في طريق الدعوة أن يعلم أن طريق النصر في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، مفروش بالأشواك، مضرج بالدماء، مليء بجثث الشهداء، وأن هذه سُنة أصحاب الدعوات، وحمَلة الرسالات، وقد كان ابن القيم – يرحمه الله – واعيا بهذا مدركا له، حينما بين أن طريق الدعوة طويل وبسط الدليل على ذلك بقوله"تعب فيه آدم، وناح نوح، وألقي في النار إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، وأوذي فيه موسى، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح فيه السيد الحصور يحيى… "، قال تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [2- 3 /العنكبوت]. ولا أقول لك هذا لأصرفك عن الدعوة، أو لأرهبك عن السير في طريقها، لا ... بل حتى لا تظن أنه طريق ممهد مفروش بالورود، ولكي تستعد له وتؤهل نفسك لما فيه من مشاق، فتشمر عن ساعد الجد في طلب الطاعات، وتحاذر من الوقوع في المعاصي والمنكرات. أخي الحبيب: هذه – في تقديري- أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة في هذا العصر بالذات، وهناك ومن العلماء من تحدث في الأمر فأفاض، وأوضح فيه فأبان، فمنهم من نظر في قوله تعالى: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ....)، وقال بأن الداعية إلى الله يجب أن يكون كالإبل في صبرها، كالسماء في شموخها واعتزازها، كالجبال في صمودها وقوتها، كالأرض في بساطتها وتواضعها، ولابد أن يكون قوياً في غير كبر، متواضعا في غير ذل. وهناك من ذكر 10 صفات، مشيراً إلى أنه يجب أن يتحلى بها المسلم عامة، والداعية إلى الله بوجه خاص، وهي: أن يكون سليم العقيدة، صحيح العبادة، مثقف الفكر، متين الخلق، قوي الجسم، نافعًا لغيره، منظمًا في شئونه، حريصًا على وقته، قادرًا على الكسب، مجاهدًا لنفسه. وختامًا؛ نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يجعلك ممن يحملون دينه إلى خلقه، وممن يعرفون عباده عليه، وأن يجعلك من جنود دعوته. وتابعنا بأخبارك و أخبار دعوتك. وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..