20 ذو القعدة 1426

السؤال

سؤالي، هو: كيف لي أن أخلص النية لله، علماً أنني أجاهد النفس الأمارة بالسوء على الطاعة، وأن أكون حذراً لتجنب الرياء والسمعة، و ماهي الأمور التي أتمكن بها الشعور بطعم السعادة في طاعتي لله؟ <BR><BR><BR>

أجاب عنها:
جمّاز الجمّاز

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وبعد: السبيل إلى أن تكون مخلصاً لله _عز وجل_، يكون بعدة أمور، منها: 1- محاسبة نفسك، فتنظر في باعث العمل قبل إتيانه، وقد قيل لنافع بن جبير: ألا تشهد الجنازة؟ قال: كما أنت حتى أنوي، قال: ففكّر هنيّة ثم قال: امضِ. 2- تربية نفسك، فيكون بينك وبين ربك أسرار، من صلاة وصيام وصدقة وإحسان وذكر وعلم ونحو ذلك، وكلما كثرت أعمالك الصالحة كان أدعى للإخلاص. وبعد وفاة الفضيل بن عياض، رؤي في المنام، فقيل له: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي ذنبي، قالوا: بِمَ؟ قال: والله لم تنفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في جوف الليل أخلصنا فيها لله _عز وجل_. 3- أن يتعلم أن ما يستحقه الله _تبارك وتعالى_ من العبودية لا يُقدَّر بشيء، وأنك عاجز عن أن توفّيها حقها، وأن ما تناله من ثواب وأجر من الله _عز وجل_، تفضّلٌ منه وإحسان، فليس معاوضة. 4- أن تعلم أنّ كل خير فيك، فهو فضل الله وإحسانه ومنّته عليك، وأنك بالله لا بنفسك. 5- مطالعة عيوبك وآفاتك وتقصيرك في طاعة الله تبارك وتعالى، وما يقوي أقوالك وأعمالك من حظ نفسك ونصيب الشيطان، وقد سُئل النبي _صلى الله عليه وسلم_ فيما صحّ عنه عن التفاف الرجل في صلاته؟ فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد"(1)، فإذا كان هذا التفات طرف الرجل، فكيف التفات قلبه إلى ما سوى الله _جل وعلا_. 6- اعلم قيمة الدنيا، وأنها فانية زائلة ليست باقية، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"(2)، فإذا أردت أن تكون في سجن الدنيا وجنة الآخرة، فاسجن نفسك عن الرياء وحب السمعة والشهرة. 7- تفكّر في عواقب الرياء الدنيوية، فإذا راءيت تطلب الدنيا، فاعلم أن الدنيا سوف تهرب منك، ولو بعد حين، ولن ترجع بغير خفي حنين، وهذا معنى قوله _صلى الله عليه وسلم_: "من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له..."(3). 8- تفكّر في عواقب الرياء الأخروية، وأنك مُتوعَّد بالإثم والعقاب، وأن المرائين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة"(4)، ففي يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين ويفضحهم جزاء كذبهم، فكن على حذر. 9- تعرّف على القبر وأحواله، واليوم الآخر وأهواله، وتذكّر الموت وسكراته، فإنه رادع لك _بإذن الله_. 10- خوّف نفسك من الرياء، إذ الذي يظل حذراً يخشى الشيء فإنه ينجو، أما من يأمن ذلك فإنه يقع فيه، والإنسان قد يُؤتى من جهله وقلة حذره، فافهم ذلك جيداً. 11- صاحب من تراه مخلصاً، فالمخلص لا يعدمك من إخلاصه شيء، بل سيكون له تأثير كبير محمود _بإذن الله تبارك وتعالى_. 12- احرص على إخفاء العبادة وإسرارها، فهو أحرى ألا يخالطها الرياء، وفيها تربية لنفسك على التواضع والخمول المحمود. 13- استشعر عظمة الله _تعالى_، فهو الذي ينفع ويضر وحده، فوجب إفراده بالعبادة، تعرّف على أسمائه وصفاته _جل وعلا_، واعلم أنه سميع بصير، يراك ويسمعك، يعلم ما تخفي وما تعلن، راقب الله _تعالى_ في كل شيء، ولا تراقب الناس، فإن الله _جل وعلا_ مطلع عليك، ألا يكفيك اطلاعه عليك. 14- شوّق نفسك بالفضائل الموعود بها من أخلص، مثل: توفيق الله _تعالى_ وتسديده له، الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس له، حب أهل السماء له، ووضع القبول له في الأرض، الإنقاذ من الضلال في الدنيا، تفريج كروب الدنيا، نصر الأمة، حسن الخاتمة، استجابة الدعاء، النجاة من عذاب الآخرة، ورفعة الدرجات، وتعاهد نفسك بين كل حين وآخر بالقراءة عن هذه الفضائل. 15- استعن بالله _تعالى_ وادعه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، أن يوفقك الله _تعالى_ لأن تكون مخلصاً له في كل شيء، وأن يجنبّك الرياء، صحّ عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه دعا، فقال: "اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه"(5)، ودعا عمر _رضي الله عنه_ بقوله: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً"(6). أسأل الله _تبارك وتعالى_ لك التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. ______________ (1) صحيح البخاري رقم (751) الأذان. (2) صحيح مسلم رقم (2956) الزهد والرقائق. (3) سنن ابن ماجه رقم (4105) الزهد والرقائق، صحيح ابن ماجه، للألباني ج2 ص 393 رقم (3313). (4) الطبراني، وحسّنه الهيثمي، مجمع الزوائد ج10 ص 223، حسّنه الألباني، صحيح الترغيب ج1 ص 118 رقم (28). (5) مسند أحمد ج 32 ص 383 رقم (19606) ط الرسالة، وحسّنه الألباني، صحيح الترغيب ج1 ص 121-122 رقم (36). (6) مجموع فتاوى ابن تيمية ج10 ص 214.