17 صفر 1426

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: <BR>مشكلتي باختصار أنني لا أستطيع الاستمرار في بعض الأعمال التي أبدؤها أفيدوني جزاكم الله خيراًً .<BR>

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم_ : أخانا في الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بك، وشَكَرَ الله لك ثقَتَك بإخوانك في موقع "المُسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعَلَنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتَقَبَل منا أعمالنا وأقوالنا، وأن يجعلَها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يُجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد: اعلم أخي _حفظك الله_ أن غالب الناس يشكون مما منه تشكو، وأن استمرار المرء على حال هو أمر من المحال، ولست أنت فقط الذي تشكو، فها هو الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود _رضي الله عنه_ لما أصابه مرض الموت، فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنما أبكي؛ لأن المرض أصابني في حال فترة، ولم يصبني وأنا في حال اجتهاد، ويا ليته أصابني وأنا في حال اجتهاد. نعم هناك فرق كبير بين من يصاب بمرض وهو في حال نشاط واجتهاد وأوبة، وبين من يصاب بمرض وهو في حال فتور وقعود وكسل؛ ومن المعلوم أن المريض والمسافر يكتب لهما ما كانا يعملان وهما في حال الصحة والإقامة. واعلم أخي _ فقهك الله_ أن معرفة المرض وتحديده هي أولى خطوات العلاج السليم، ومن ثم فإنه حري بك أن تجلس مع نفسك وتسألها عن سبب عدم استطاعتك الاستمرار فيما تبدؤه من أعمال، فتعرف الأسباب، ومتى علم السبب فقد سهل العلاج، وربما يكون مرد السبب _في تقديري_ إلى الفتور، نعم الفتور، والفتور حالة تعتري الإنسان خلال حياته مرات عدة، وهي حالة من التكاسل والتراخي عن فعل طاعة أو عبادة أو ذهاب الرغبة في استكمال العمل. وحتى تكون على بصيرة بأمرك، فيجب عليك أن تتعرف على مظاهر وشواهد الفتور، فمن أبرز مظاهر الفتور، التكاسل عن أداء العبادات وفعل الطاعات، مع الشعور بضعف وثقل أثناء أدائها، ومن أعظم ذلك الفتور عن تأدية الصلاة، والاهتمام بالدنيا والانشغال بها عن العبادة وطلب العلم والدعوة إلى الله، وأيضاً تضييع الوقت وعدم الإفادة منه، أو قضائه فيما لا يعود بالنفع، و الشعور بالفراغ، وعدم البركة في الوقت، والتهرب من كل عمل جدي، وعدم الاستقرار على عمل معين، وتوجيه النقد لكل عمل إيجابي، والتسويف والتأجيل وكثرة الأماني. أخي الحبيب: وحتى نكون قوماً عمليين فإنني أوصيك، بما أوصي به نفسي، فأقول لك، وبالله التوفيق: 1- اعلم أنك لن تستطيع أن تنجز كل الأعمال المطلوبة منك يومياً، ولذا فإنني أوصيك أن ترتب أعمالك ترتيباً تنازلياً، حسب الأهمية، ثم تبدأ بتنفيذ الأهم منها ثم المهم فالأقل أهمية… وهكذا. 2- اعلم أن للقلوب إقبال وإدبار، فاستثمر حال الإقبال التي تكون عليها، وابدأ بإنجاز الأعمال الأصعب ثم الصعبة ثم الأقل صعوبة، وهكذا كلما مر بك الوقت فستجد أن المتبقي من المطلوب إنجازه هو الأعمال السهلة والممتعة، فيزداد حماسك لها فتنجز المزيد. 3- روض نفسك، وعالجها بالسياسة، فعلى أي أعمال الخير وجدتها أقبل احملها، فلو علمت من نفسك حباً في الصيام فأكثر منه، ولو كانت نفسك محبة للصلاة فأكثر من نوافل الصلاة، وإن كانت نفسك تواقة للذكر فالزمه، وهكذا .. عود نفسك فعل ما تحب من الخير حتى تحب ما تفعل. 4- واعلم أن الاستمرار على عمل ما يتطلب منك عدة أمور أولها: الإيمان بما تعمل، وثانيها:الحب لما تعمل، وثالثها: الصبر على ما تعمل، و رابعها: الثقة فيمن تعمل عنده، و خامسها: ضمان الأجر ممن تعمل له . 5- الجأ إلى الله، واستعن به، وأكثر من سؤاله التوفيق والقبول، وكن موصولاً به يهديك إلى الخير، ويبارك لك في القليل، ويتقبله منك، واعلم أن العبرة ليست بكثرة العمل ولكن بالتوفيق إلى القبول.. وختاما؛ أسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأدعوه _سبحانه_ أن يهديك إلى عمل الخير وخير العمل، وأن يرزق الثبات على الحق، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن بحوله وقوته إنه رب ذلك والقادر عليه ... آمين