1 ربيع الثاني 1426

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم <BR>إخواني في اللجنة التربوية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:<BR>سؤالي: ما هي السبل والطرق لنصيحة الآخرين؟ وأيضاً ما الحل للأفراد الذين لا يقبلون شيئاً ولا يريدون النصح؟<BR>

أجاب عنها:
اللجنة التربوية

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته إن المتأمل لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليدرك أن الإسلام دين النصيحة. وهذه الأمة إنما فضلت على سائر الأمم لأن أبناءها يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر؛ وما حاقت لعنة الله ببني إسرائيل إلاّ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. والله تعالى يقسم في كتابه الكريم أن الناس خاسرون ما لم يؤمنوا به، ويعملوا صالحاً، ويتواصوا بالحق والصبر. فبذل النصح – لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- فلاح للفرد ومنجاة للأمة. وفي المقابل التفريض في واجب التناصح مهلكة للجميع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإذا هم تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً"(1). أما كيف يؤتي النصح ثمرته، فالأمر بعد توفيق الله يعتمد على الناصح والمنصوح. فباذل النصح عليه أولاً أن يستشعر أنه يؤدي عبادة جليلة، وأن يستحيي من أن يراه الله وقد اقترف أمراً ينهى الناس عنه، أو ترك أمراً يأمر الناس به. وأن يدرك أن من تمام إيمانه أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه من خيري الدنيا والآخرة، فيسعى جهده لاستنقاذهم من براثن عدوهم الذي أقسم أمام رب العزة ألا يدع لإغواء الخلق سبيلاً إلا سلكه، ولا باباً إلا طرقه. فحرصه على دعوة الناس إنما هي رفعة له أولاً، وفلاح لهم ثانياً – إن وفقه الله للهداية-؛ فالأمر عنده ليس مجرد تبيان لحكم بعض المسائل إعذاراً لله وتبرئة للذمة، ثم ليفعل الناس بعد ذلك ما شاءوا. والناصح المحتسب يدرك أن هذا طريق المرسلين، أشرف الخلق وأزكاهم، وهو بالسير في ركابهم في الأولى إنما يمهد لنفسه سبيلاً لصحبتهم في الآخرة. لقد كان رسول الله صلى عليه وسلم - قدوة كل ناصح ومحتسب- حريصاً كل الحرص على صلاح قومه، فكان يتلمس السبل إلى قلوبهم تلمساً، ويصبر على أذاهم صبراً لا طاقة للناس بمثله، ويستعين على إعراضهم وصدودهم بالدعاء لهم. لما نزل عليه قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (المائدة: من الآية67)، وقف يدعوا الناس في موسم من مواسم العرب فبزقوا في وجهه الشريف ورموه بالتراب والحجارة، فعرض له عارض فقال له: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعوا عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وانصرني إليهم أن يجيبوني إلى طاعتك. لقد كان يعُد إجابتهم داعي الله نصراً يُحتمل في سبيله الأذى. وعلى الداعية إلى الله أن يحس دائماً أن عدوه الأول هو الشيطان فهو الذي يتخطف الناس من سبل الهدى ويرديهم في مهاوي الضلالة، وأنه من الحكمة أن يعد له ما استطاع من قوة، فيتحصن بالإيمان والتوكل، والعلم والصبر، ويذوده عن قلوب الناس بالرفق وطيب الكلام، والله تعالى ما اختار صفة الرفق واللين ليمدح بها نبيه صلى الله عليه وسلم من بين سائر نبيل صفاته في مقام الدعوة والجهاد في سبيلها (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: من الآية159)، إلا لأنها من أشد ما يستميل قلوب النافرين، ويبقي على مودة الأقربين، والداعية بأشد الحاجة للأمرين معاً، والرفق خير كله وما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه أو كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولعل من المهم للناصح كذلك أن يدرك أن الناس أصناف شتى، وأن معرفة طبيعة كل صنف أمر يختصر عليه الطريق ويقربه من الهدف. فمن الناس من يتألفه الإحسان، والواحد من هؤلاء قد تهبه شيئاً من الدنيا فيهبك أذنه وقلبه، وربما تكتب له الهداية فتفوز بما هو خير من حمر النعم، يقول صفوان بن أمية رضي الله عنه: ث لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لمن أبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي(2). ومن الناس من يستهديهم المنطق وتقنعهم الحجة، وهؤلاء يخاطبون على قدر عقولهم وعلومهم، وكلما كان بارعاً في إشراكهم في استنتاج الحقيقة كلما كان ذلك أدعى لسرعة استجابتهم. جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال حمر قال: هل فيها من أورق قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنى هو» قال لعله يا رسول الله يكون نزعه عرق له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا يكون نزعه عرق له(3). فرغم حساسية المسألة استطاع النبي عليه ا لصلاة والسلام أن يجعل الأعرابي الذي جاء ودمه يغلي شريكاً في استخلاص الحكم فخرج مطمئناً مقتنعاً. ولعله إن وعظه وحذره من سوء الظن وقذف أهله دون بيِّنة لم يقتنع، وإشراك الناس في الوصول إلى الحق يشعرهم بأنهم ليسوا مجرد متلقين وأنه ما من وصاية عليهم من أحد، وهذه من عقد أهل هذا الزمان. ومن الناس صنف ثالث لا يحرص على الدنيا، ولا يأبه لقوة الحجة، ولكنه لين القلب، يتأثر بالموعظة ويتبر بالقصص مثال. ومن الناس كذلك نوع يكون على الحق ولكن زلت قدمه لسبب أو آخر رغم حرصهم على اتباع الهدى وهؤلاء قد يفعل فيهم العتاب ما لا يفعله أي أسلوب سواه، ومثال ذلك أبا ذر رضي الله عنه لما عير بلالاً بأنه ابن السوداء، فزجره النبي وهو الكريم الهين اللين وقال أنك امرؤ فيك جاهلية ففعلت الكلمة فعلها في قلب أبي ذر، فوضع عنه عبية الجاهلية وأصر أن يطأ ابن السوداء بقدمه خد العربي الغفاري، والعقاب قد يكون بالكلام أو بالإعراض وقد يكون بالنظرات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب بن مالك رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه مع سعر بن عبيد رضي الله عنه لما فرّ فيمن فر في موقعة الجسرفعاد إلى ذات الجبهة التي فرّ منها وقاتل حتى قتل. ومن الناس من لا يقبل النصح ما دام توجيهاً مباشراً ويعتبره نوعاً من التدخل في الشؤون الخاصة وهؤلاء يستجيبون لمن يفلح في تغليف النصيحة ويشاركهم اهتماماتهم. وهكذا فالناس يتفاوتون ويختلفون والأسلوب الذي يجدي مع بعضهم ربما ينفِّر غيرهم. والداعية مأمور بمداراة الناس كأمره بالفرائض، فليتخير الوقت والمكان والأسلوب ليحقق أكبر مكسب بأقل جهد وفي أقصر زمن. _____________ (1) البخاري2/882، رقم2361. (2) ابن حبان 11/159 – رثم 4828. (3) مسلم 2/1137 – رقم 1500.