10 محرم 1426

السؤال

أولاً بارك الله فيكم وجعل عملكم خالصاً لوجهه _سبحانه_: سؤالي ما هي الطريقة التي يمكن الاستفادة منها في ربط المادة الدراسية بالواقع خاصة مواد التربية الإسلامية؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم_ : أخانا في الله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بك، وشكر الله لك ثناءك وثقتك بإخوانك في موقع "المسلم"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد: لقد اطلعت على سؤالك الذي يدل على أنك إنسان عملي وواقعي، كما يدل على رغبتك في استثمار العلم وتوظيفه في خدمة المجتمع، خاصة العلم الشرعي الذي يدرس للتلاميذ في صورة مواد التربية الإسلامية، وبداية فإني أضم صوتي لصوتك، فما لم يتم الربط بين ما نعلمه لأبنائنا في المدارس وبين الواقع العملي المعاش، فلن يستفيدوا شيئاً مما تعلموه، وسيظل ما تعلموه في واد، وما يتعرضون له في حياتهم العملية في واد آخر. فلاشك أن من أكثر ما ابتلينا به في عالمنا العربي والإسلامي تلك الهوة السحيقة بين ما نتعلمه وما نعايشه، ونظرة واحدة إلى ما الكم الهائل من الرسائل العلمية "ماجستير ودكتوراه" الموضوعة فوق الأرفف في مكتباتنا الجامعية، والتي ليس لها أدنى علاقة بالواقع رغم ما أنفق عليها من ملايين الدولارات، لتعكس لك سوء التخطيط، بل والعشوائية التي تسيطر على مدارسنا ومعاهدنا التعليمية، فلا توجد خطط طموحة، ولا برامج عملية مسبقة، تربط العلم بالواقع . أعتذر لك على هذه الإطالة، ولكنها مقدمة عامة لابد منها، أما عن سؤالك تحديداً، فأستعين بالله وأقول لك : يمكن للمعلم المسلم أن يربط المادة الدراسية التي يعلمها للتلاميذ بالواقع، إذا توافر له أمران: الإخلاص والنية الصادقة في تنشئة جيل مسلم على درجة من الواقعية والفهم تؤهله لخوض غمار الحياة . الوعي الكامل بالواقع المحيط به من حوله، ليتمكن من تحديد ما يمكن إسقاطه مما يدرس على واقعنا المعيشي . القدرة والمهارة العالية لتنفيذ هذا الربط بين ما يدرس في المدارس وما يعاش على أرض الواقع . المساعدة والمعونة والموافقة من الجهات الإدارية المسؤولة عن العملية التعليمية . وسنضرب نموذجاً بمواد التربية الإسلامية التي ندرسها لأبنائنا في المدارس والمعاهد، وكيفية الربط بين ما يدرس والواقع ، فإذا كان التلاميذ يدرسون ضمن مواد التربية الإسلامية مثلاً مادة "العقيدة" فإنه يمكن للمعلم المسلم أن يربطها بالواقع العملي، فيمكن من خلال القيام برحلة للتلاميذ أن يلفت المعلم أنظار تلاميذه إلى هذا الكون الفسيح الذي خلقه الله، بما فيه من سماوات ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، وإلى الزرع والنبات والأشجار والحيوانات، قال _تعالى_ : "أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ..."، وقال أيضاً : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" . وفي مادة "القرآن" يمكن للمدرس أن يعلم تلاميذه آداب الاستماع للقرآن، وأن يطلب منهم أن ينصتوا ويتدبروا ويعقلوا ما يستمعون إليه، وأن يذكرهم بقول الله _تعالى_ في محكم التنزيل : "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً"، و قوله :" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، وقوله :" فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ"، وقوله : "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"، وقوله : "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" ، ويمكن له أن يدربهم على ذلك بطريقة عملية فيقوم بتشغيل شريط مسجل عليه بعض الآيات من سورة ما ويدربهم على التفكر والتدبر والإنصات. وفي مادة " الآداب الإسلامية" يمكن للمعلم أن يربط بين ما في الدرس من تعليمات نظرية وبين سلوك التلاميذ، فمثلاً في موضوع "آداب الاستئذان" يجب عليه أن يعلمهم جملة الآداب التي يجب أن يراعيها المسلم في حياته، وأن يذكرهم بأحاديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في هذا الباب، ومنها : عن أبي موسى _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ قال: قال رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك و إلا فارجع" متفق عَلَيهِ. وعن ربعي بن حراش قال: "حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدخل". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح، وعن كلدة بن الحنبل _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ قال: أتيت النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟" رَوَاهُ أبُو دَاوُد وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وعن جابر _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ قال: "أتيت النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ فدققت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا!كأنه كرهها". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. كما يمكن للمعلم أن يدربهم على هذه الآداب عمليا، فيأتي بأحدهم – بعد أن يعلمه هذا الأدب- أن يطلب منه أن ينفذ ذلك عملياً، فيخرج من غرفة الدرس، ويغلق الباب دونه، ثم يطرق الباب ثلاث طرقات متباعدة قليلاً، فيقول له الأستاذ : من ؟ ، فيرد التلميذ : محمد (مثلاً)، فيقول له الأستاذ :ماذا تريد ؟ ، فيرد محمد : أريد كذا ، فيقول له الأستاذ : أدخل ... وهكذا فلن ينسى التلاميذ بهذه الطريقة ما تعلموه من آداب ودروس ، ثم يطلب منهم المعلم أن يطبقوا هذا الأدب عند ذهابهم لبيوتهم، وعند دخولهم على آبائهم وأمهاتهم، عندها سيستشعر الآباء قيمة ما يتعلمه أولادهم ... ورحم الله من قال : "فعل رجل في ألف رجل أكثر أثراً من كلام ألف رجل في رجل" . وهكذا الأمر – أخي الكريم – في كل فرع من فروع التربية الإسلامية، بل وفي كل مادة من المواد التي يدرسها أبناؤنا في مدارسهم ومعاهدهم، وبهذا يتم الخير، ويصبح لهذه العلوم آثارها العملية في سلوكيات ومعاملات الناس، ويحيا جيل من الشباب يعرف قيمة ما يتعلمه ويحرص على الاستفادة منه واستثماره وتوظيفه في حياته العملية وسلوكياته اليومية... بارك الله فيك، وأكثر من أمثالك، وجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأل الله _عز وجل_ أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال والأقوال، وأن يجزيك وإيانا عليها خير الجزاء ... اللهم آمين ...