26 محرم 1429

السؤال

فضيلة الشيخ: لقد أصبت بمرض منذ أن كنت صبياً صغيراً ، وهو عبارة عن وجود ما يشبه ثآليل صغيرة في عضوي الذكري ؛ فذهبت إلى طبيب مختص في أمراض المسالك البولية، ووصف لي دواء عبارة عن مرهم، وأمرني باستعماله لكي تزول هذه الثآليل، وبالفعل استعملت هذا الدواء، وتلاشت أغلب الثآليل، وبقي قليل منها فقط، ورجعت ثانية للطبيب ليرى حالتي، وحين ذهبت إلى الصيدلية لأشتري هذا المرهم قال لي الصيدلي: إن هذا المرهم يدخل في تركيبه شحم الخنزير، ورجعت إلى الطبيب فقال: إنه لا بديل عن هذا الدواء؛ لذلك لم يكن عندي خيار آخر إلا شراء هذا الدواء، وإكمال استعماله.. سؤالي يا شيخ: هل يجوز لي في هذه الحالة استعمال هذا المرهم؟ وجزاكم الله خيرا .

أجاب عنها:
سليمان الماجد

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:

فالأصل هو عدم جواز ملابسة النجاسات ، ولا التلطخ بها ، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة التداوي فيما لا ينفع بإذن الله إلا بالمحرم أو النجس ، ولا يوجد سواه أو لا يكون كتأثيره فلا حرج في التداوي به، وهذا أحد قولي مالك رحمه الله . وقال بذلك الإمام العز ابن عبد السلام في "القواعد" (1/60) فقال رحمه الله بأنه يجوز : ( .. التداوي بالنجاسات ؛ إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها ؛ لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة ، ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح ؛ إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها ، ولم يجد دواء غيرها ) .

وقال الإمام النووي في "المجموع"(9/45) ( قال أصحابنا : وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها ؛ فإن وجده حرمت النجاسات بلا خلاف ، وعليه يُحمل حديث: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» فهو حرام عند وجود غيره ، وليس حراماً إذا لم يجد غيره .

قال أصحابنا : وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفاً بالطب ، يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه ، أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل ، ويكفي طبيب واحد ، صرح به البغوي وغيره ، فلو قال الطبيب : يتعجل لك به الشفاء ، وإن تركته تأخر ، ففي إباحته وجهان ، حكاهما البغوي ، ولم يرجح واحداً منهما ، وقياس نظيره في التيمم أن يكون الأصح جوازه ) .

وقال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/270) في الجواب عن سؤال رجل وُصف له شحم الخنزير لمرض به : هل يجوز له ذلك ؟

فأجاب : ( وأما التداوي بأكل شحم الخنزير فلا يجوز . وأما التداوي بالتلطخ به ، ثم يغسله بعد ذلك ، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة . وفيه نزاع مشهور . والصحيح أنه يجوز للحاجة . كما يجوز استنجاء الرجل بيده ، وإزالة النجاسة بيده . وما أبيح للحاجة جاز التداوي به . كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين ) . فعليه يجوز للسائل التداوي بهذا الداوء ؛ لعدم وجود بديل له حسب قول الطبيب .

والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين