2 محرم 1428

السؤال

أعرف شخصاً ثقة يسعى لتحقيق مصالح الناس، وكم من أناس ساعدهم وحقق لهم ما يريدون، ولكنه مع ذلك يطلب مالاً فمثلاً يقول أنا أضمن وظيفة لزوجتك يعني معلمة وفي أي منطقة ترغبها، بل وفي مدرسة ترغبها، بل وفي أي مرحلة تريدها، ثم يقول أعطني الآن نصف المبلغ المتفق عليه، وهو ما يقارب سبعة آلاف ونصف ثم إذا تعينت تعطيني نصف المبلغ الآخر، وهو أيضاً سبعة الآف ونصف. سؤالي هنا: هل هذا يعد رشوة أم تلاعب بالنظام وما الحكم الشرعي في هذا الفعل؟ هل هو حرام أم حلال؟ مع شرح الأسباب المقنعة وجزاكم الله خيرا.<BR><BR>

أجاب عنها:
سليمان الماجد

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد .. فإن كان من وعد بالوظيفة موظفاً في الدائرة التي يراد التوظيف فيها، أو كان هذا وسيطاً يعطي الموظفين فهي رشوة محرمة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي كما هو في المسند من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما . وإن كان شافعاً ، أو يعطيها لشافع فجماهير العلماء أن ذلك لا يجوز لما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من شفع لأخيه شفاعة , فأهدى له هدية , فقبلها , فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . وسئل ابن مسعود عن السحت فقال : هو أن تشفع لأخيك شفاعة , فيهدي لك هدية فتقبلها . وقال الإمام ابن تيمية : ( .. وأما الهدية في الشفاعة , مثل : أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها , أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية .. هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر . وقد رخص بعض المتأخرين من الفقهاء في ذلك , وجعل هذا من باب الجعالة وهذا مخالف للسنة , وأقوال الصحابة والأئمة , وهو غلط ; لأن مثل هذا العمل هو من المصالح العامة التي يكون القيام بها فرضا , إما على الأعيان وإما على الكفاية , ومتى شرع أخذ الجعل على مثل هذا لزم أن تكون الولاية وإعطاء أموال الفيء والصدقات وغيرها لمن يبذل في ذلك , ولزم أن يكون كف الظلم عمن يبذل في ذلك , والذي لا يبذل لا يولى ولا يعطى ولا يكف عنه الظلم , وإن كان أحق وأنفع للمسلمين من هذا . والمنفعة في هذا ليست لهذا الباذل حتى يؤخذ منه الجعل كالجعل على الآبق , والشارد , وإنما المنفعة لعموم الناس أعني المسلمين - فإنه يجب أن يولى في كل مرتبة أصلح من يقدر عليها , وأن يرزق من رزق المقاتلة , والأئمة , والمؤذنين , وأهل العلم الذين هم أحق الناس وأنفعهم للمسلمين , وهذا واجب على الإمام وعلى الأمة أن يعاونوه على ذلك , فأخذ جعل من شخص معين على ذلك يفضي إلى أن تطلب هذه الأمور بالعوض , ونفس طلب الولايات منهي عنه , فكيف بالعوض, ولزم أن من كان ممكنا فيها يولى ويعطى وإن كان غيره أحق وأولى, بل يلزم تولية الجاهل, والفاسق والفاجر, وترك العالم العادل القادر, وأن يرزق في ديوان المقاتلة الفاسق والجبان العاجز عن القتال, وترك العدل الشجاع النافع للمسلمين، وفساد مثل هذا كثير, وإذا أخذ وشفع لمن لا يستحق وغيره أولى, فليس له أن يأخذ ولا يشفع وتركهما خير, وإذا أخذ وشفع لمن هو الأحق الأولى وترك من لا يستحق, فحينئذ ترك الشفاعة, والأخذ أضر من الشفاعة لمن لا يستحق. ويقال لهذا الشافع الذي له الحاجة التي تقبل بها الشفاعة : يجب عليك أن تكون ناصحا لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم . ولو لم يكن لك هذا الجاه والمال , فكيف إذا كان لك هذا الجاه والمال , فأنت عليك أن تنصح المشفوع إليه فتبين له من يستحق الولاية , والاستخدام , والعطاء , ومن لا يستحق ذلك , وتنصح للمسلمين بفعل مثل ذلك , وتنصح لله ولرسوله بطاعته , فإن هذا من أعظم طاعته , وتنفع هذا المستحق بمعاونته على ذلك , كما عليك أن تصلي وتصوم وتجاهد في سبيل الله ) أهـ كلامه رحمه الله. والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .