9 جمادى الأول 1424

السؤال

ما حكم الترحم والاستغفار على من مات من أهل البدع؟

أجاب عنها:
سليمان العلوان

الجواب

الميت المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام حكمه حكم عامة المسلمين تشرع الصلاة عليه ولا تجب على كل أحد ويُدعى له بالمغفرة والرحمة والرضوان . ولا أعلم أحداً من أهل السنة قال بمنع الترحم والاستغفار على أهل البدع مطلقاً فهذا قول الخوارج المارقين وأهل الضلال المنحرفين عن الحق . والأصل الجامع في ذلك أن كل من قال لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله ولم نعلم عنه كفراً ظاهراً فإنه يُصلى عليه ويستغفر له فإن الله تعالى حين منع من الاستغفار للمشركين في قوله { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } كان هذا دليلاً على جواز الاستغفار على أهل البدع والمعاصي المعدودين في أهل القبلة . وقد ظن بعض الناس أن امتناع بعض أئمة السلف من الصلاة عليهم دليل على منع الترحم عليهم وهذا من الظن الكاذب المخالف للكتاب والسنة والإجماع . فما زال المسلمون في المشرق والمغرب يصلون على كل من أظهر الإسلام ما لم يُعْلَم عنه نفاق أو ردة . فمن علم منه ذلك فتحرم الصلاة عليه . ومن لم يعلم منه ذلك فلا يجوز التقرب لله بترك الصلاة عليه إذا لم يكن في ذلك مصلحة ظاهرة . فقد كان بعض أئمة السلف يمتنعون من الصلاة على أهل الأهواء والمجاهرين بالمعاصي لينتهي أهل البدع عن بدعهم وأهل المعاصي عن شهواتهم فهو من باب إنكار المنكرات وتحصيل المصالح العامة للمسلمين وهذا العمل سائغ للمصلحة وله نظائر في الشرع . فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه رواه مسلم في صحيحه ( 978 ) . وترك الصلاة على الذي عليه دين ولم يترك وفاءً وقال للمسلمين (( صلوا على صاحبكم )) رواه البخاري ( 2298 ) ومسلم ( 1619 ) . وترك الصلاة على الغال رواه أحمد ( 4 / 286 ) وأبو داود ( 2710 ) والنسائي ( 4 / 64 ) وابن ماجة ( 2848 ) وفي إسناده اختلاف . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 24 / 286 ) وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } . وقال في منهاج السنة ( 5 / 235 ) فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه . وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه ... ) . وبالجملة فالاستغفار للمشركين والكفار محرم شرعاً وأدلته كثيرة وهذا من المجمع عليه . والاستغفار على من دون هؤلاء من أهل القبلة مشروع بالاتفاق ولم يخالف في ذلك غير الخوارج والمعتزلة فإن الخوارج أول من كفر أهل القبلة بالذنوب ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب ويستحلون دماء المسلمين وقد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) رواه البخاري ( 3344 ) ومسلم ( 1064 ) من حديث أبي سعيد . والمعتزلة يوافقون الخوارج على تخليد أهل الكبائر وتحريم الاستغفار لهم والترحم عليهم . ويخالفونهم في الحكم عليهم في الدنيا . فهم بمنـزلة بين منـزلتين فلا هم مؤمنون يشرع الاستغفار لهم ولا هم كفار مبعدون وهذا باطل بأدلة كثيرة قال تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } فقد فرق الله بين الكفر والفسوق والعصيان وجعلها ثلاث مراتب : الأولى : الكفر . الثانية : الفسوق وليست بكفر . الثالثة : العصيان وهي مرتبة دون الفسق فهو عاص وليس بفاسق والخوارج لا تفقه هذه الحقيقة وتجعل الفسق كفراً . وقال تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } . فقد وصف الله الطائفتين المقتتلتين بالإيمان والأخوة وأمر بالإصلاح بينهما وهذه الآية من أحسن ما يحتج به على الخوارج والمكفرين بالذنوب . وقال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فجعل الله تعالى ما دون الشرك معلقاً بمشيئته فليس هو بكافر كما تقوله الخوارج . وأحاديث الشفاعة وإخراج عصاة الموحدين من النار متواترة وهي قاضية على مذهب الخوارج وأهل الإرجاء . وفي صحيح مسلم ( 116 ) من طريق حماد بن زيد عن حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله : هل لك في حِصْن حَصينْ ومنعة ؟ ( قال حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها أوداجه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئتُه حسنة ورآه مغطياً يدَيْهِ فقال له ما صنع بك ربُك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك مغطياً يديك قال قيل لي لن نُصلح منك ما أفسدتَ فقصَّها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر )) . وهذا الحديث الصحيح من أجود ما يحتج به على الخوارج المكفرين بالكبائر والمرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر . والله أعلم