النشاط الفلسطيني الغائب في الإعلام الغربي
23 رجب 1439
ربيع حداد

مثّلت تغطية عدّة وسائل إعلام غربيّة لأحداث مسيرة العودة في قطاع غزّة، الأسبوع الماضي، كشفًا لازدواجيّة المعايير المهنيّة عندما يتعلّق الأمر بالقضيّة الفلسطينيّة. الفلسطيني سيبقى طرفًا مسببًا "للعنف" حتى لو خرج بمظاهرات سلميّة، وأراد أن ينتظم في اعتصام طويل من أجل حقوقه وتحرره، فالاقتراب من حدود السجن المرسومة له سببٌ كافٍ لتصبح التغطية على شاكلة "اشتعال المواجهات على حدود غزة إسرائيل".

 

 

هذا ما طالعتنا به بعض الصحف والمواقع مثل الـ"بي بي سي" التي اختارت تبني الرواية الإسرائيليّة نقلًا عن جيش الاحتلال كجزء أساسي من المصادر التي اعتمدت عليها في الخبر الرئيسي للحدث، واعطاء بيانات الجيش مساحة كبيرة في ظل غياب للصوت الفلسطيني، كذلك الأمر مع "نيويورك تايمز" التي أطّرت الحدث من خلال تحميل الفلسطينيين مسؤولية اندلاع أعمال العنف بطريقة غير مباشرة بسبب اقترابهم من الحدود.

 

 

اقرأ/ي أيضًا | الإعلام الغربي ومسيرة العودة: عندما تنحاز الصورة والمصطلح "لإسرائيل"

لا يكون الانحياز في التغطية الإعلاميّة غالبًا مكشوفًا ومباشرًا، لأنه سيكون مفضوحًا ومعروفًا؛ لكنّه يجري بطرق أخرى من خلال مثلًا ادّعاء الموضوعيّة في التغطية، وإبراز موقف الطرفين، ليستوي في ذلك المُستعمِر والواقع تحت الاستعمار على نفس المعايير في التعامل.

 

 

وتحت ذريعة الموضوعيّة أيضًا؛ يُصبح نقل تصريحات من قادة حماس حول مسيرة العودة، وتغييب صوت المنظّمين من الحراك المدني والشبابي -كما فعلت الـ بي بي سي – أمرًا مهنيًا لأنه وضع "الصوت الفلسطيني" الممثل لأحد أطراف الصراع. هذا يترافق أيضًا مع تقسيم الخبر والمساحة لكل "طرف"، والشكل الذي يظهر فيه كل "طرف" من خلال الصور أو العناوين.

 

 

لا يمكننا فصل هذه التأطيرات التي يُوضع فيها الفلسطيني في الإعلام الغربي المركزي والليبرالي، بعيدًا عن الحمولة الثقافيّة الاستشراقيّة التي ما زال يحملها شريحة واسعة من النخب في الغرب تجاه الشرق الأوسط (وهي تسمية أطلقها الغرب علينا) والتي تعززت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، منها تصوير الشرقي بشكل غاضب ومُلثّم دون إفهام ما سبب هذا الغضب، كما جرى لمسيرة العودة، بينما الإسرائيلي المتحضّر والنظيف الذي يُدافع عنه حدوده من هؤلاء المتّسخين الذين يحرقون الإطارات ويرمون الحجارة.

 

 

على الرغم من تغيّر شكل وسائل الإعلام في العقد الأخير في مرحلة وسائل التواصل الاجتماعي، وكسر هيمنة وسائل الإعلام التقليديّة في الهيمنة على صناعة الخبر وترويجه، لا يُمكن تجاهل هذا التأطير الذي يحصل في مواقع وصحف وفضائيّات تؤثّر في صناعة الرأي العام.

 

 

هناك ضرورة لتفعيل هيئات رصد لوسائل الإعلام العالمية وكيفيّة تناولها للقضية الفلسطينيّة؛ ومتابعة هذا الموضوع بشكل متخصص، الذي يتطلّب نشاطا يفضح التزييف أو الانحياز الحاصل، من خلال حملات إعلاميّة أو توجيه رسائل احتجاج لوسيلة الإعلام والصحافيين العاملين فيها، وتشكيل ضغط مستمر مع المناصرين في تلك الدول للقضيّة الفلسطينيّة بهدف تغيير شكل التغطية الإعلاميّة الحاصلة، حتى تُعيد وسائل الإعلام هذه حسابتها في المستقبل.

 

 

في ظلّ غياب هذه الهيئات والمبادرات الفلسطينيّة بشكل منظّم، تنشط في المقابل العديد من المؤسسات واللوبيّات الصهيونيّة حول العالم مستهدفة وسائل الإعلام بشكل خاص بهدف ترجيح كفّة التغطية للرواية "الإسرائيليّة" وملاحقة الصحافيين الذين يناصرون الفلسطينيين، وهم يحققون إنجازات في ذلك.

 

 

كان لنشاط حركة المقاطعة ضد "إسرائيل" حول العالم، في العقد الأخير، إنجازات عظيمة جدًا في تحقيق مقاطعة مؤسسات وشخصيّات وشركات "لإسرائيل"، وهي اعتمدت بالأساس على أسلوب الرصد والمكاتبة والضغط. هناك حاجة لتفعيل حراك يستهدف وسائل الإعلام بشكل حصري، يعتمد على بناء شبكة واسعة من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام والناشطين والمناصرين الذين سيعملون على متابعة ورصد ما يُنشر في وسائل الإعلام حول القضيّة الفلسطينيّة، ليشكّلوا بدورهم ضغطا على من يُشوّه صورة نضال الفلسطينيين وحقّهم في التحرر من النظام الاستعماري القائم في فلسطين.

 

المصدر/ عرب ٤٨