الجار .. الحق الضائع في المجتمع المتفسخ !
8 ربيع الثاني 1439
د. خالد رُوشه

تعاني مجتمعاتنا من الانفصال الاجتماعي ، والنفور ، والفردية فيما يخص الحياة الاجتماعية التشاركية بين الجيران بعضهم بعضا .

 

يبلغ ذلك حدا كبيرا ، لدرجة عدم معرفة الجار اسم جاره ، ولا شيئا أبدا عن حاله في المدن الكبيرة ..

 

وانا ارى ذلك سلبية عميقة تسببت ولازالت تتسبب في تفسخ المجتمعات واصابتها بالنفعية والنزاع والشقاق .

 

فكل اسرة تحرص على مصالحها الذاتية ، وينظر الجار الى جاره باعتباره خصما أو انه  يريد الانتقاص من حقوقه ..!

 

المنهج الإسلامي قد أمر بغير ذلك تماما ، بل قد رفع حق الجار واهتم به ، واوصى به وصية أكيدة ومتكررة .

 

المنهجية الإسلامية هنا تريد أن تجعل المجتمع الإسلامي كلّا غير متجزىء ، ووحدة متعاضدة غير منفصلة .

 

لقد قلل الإسلام من لحمة القبيلة والعائلة - إذا بعدت عن الهدى - في مقابل إعلائه من لحمة الجيرة ، والأخوة ، والصداقة ، وغيرها ، إذ جعل اللحمة والتقارب أساسه القيم الإيمانية والمبادىء الإسلامية لا مجرد قرابة الدم والمصاهرة .

 

بل جعل قرب القبيلة والعائلة معتمدا بالاصالة على قيمة الدين والإيمان ، فالأخوة الحقيقية هي أخوة الدين ، وضياع الدين مضر لقيمة الأخوة في النسب .

 

قد وصف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حال العرب قبل الإسلام فقال بينما هو يخاطب النجاشي ملك الحبشة فقال : " إنا كنا أهل جاهلية وشر , نقطع الأرحام , ونسيء الجوار ... " .

 

جاء صلى الله عليه وسلم فرفع قيمة حسن الجوار وأعطى للجار حقوقا كثيرة .

 

 

جاءت آيات القرآن تؤكد على حق الجار وتوصي به , فقال سبحانه : " وبالوالدين احساناً، وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب وابن السبيل " النساء

 

وفي تحديد الجار وما له من حق على جاره, فإن ابن كثير ينقل تفسير الآية ومرادها بالجارفيقول : الجار ذي القربى: يعني الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة ، وينقل رأيا آخر لبعض العلماء أن : الجار ذي القربى ,  يعني الجار المسلم، والجار الجنب، يعني غير المسلم ، وكلا القولين يوصي بالجار..

 

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال :  " خير الأصحاب عند الله، خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " الترمذي .

 

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يشبع الرجل دون جاره " أخرجه أحمد

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه " البخاري .

 

 وكلمة ما زال يوصيني أي إنه كلما لقيه وأراد الانصراف أوصاه بحق الجار , ويؤكد عليه فيه , ويذكره بحسن الجار حتى ظن صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل من كثرة هذه الوصية بالإحسان للجار سيجعل له في مال جاره حقا .

 

ويروي صلى الله عليه وسلم حديثا قدسيا عن ربه سبحانه يبين قيمة شهادة الجار على جاره وأنها قد تكون سببا في عذابه أو العفو عنه , ولا أقصد هنا شهادته عليه في الدنيا ولكن شهادة الآخرة فيقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : " ما من عبد مسلم يموت يشهد له ثلاثة أبيات من جيرانه الأدنية بخير إلا قال الله عز وجل قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم " مسند أحمد

 

ويحدث صلى الله عليه وسلم حديثا آخر ينبىء عن أقبح المعاصي، وأشدّها إثماً، لما في ذلك من إيذاء للجار، وخيانة لحقّ المجاورة، لأن الواجب على الجار أن يكون أميناً على مال جاره، محافظاً على عرضه أن ينتهك ,  حماية ودفاعاً ، لكن عندما يأتي الخلل من الجار نفسه ، فإن هذا تعد وتجاوز شديد عند الله ولا في الدستور الإسلامي , إنه أذية وخيانة وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال صلى الله عليه لأصحابه يوماً، وهو يحدّثهم:  " ما تقولون في الزنا؟"  قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة، ايسر من أن يزني بحليلة جاره "  قال: " فما تقولون في السرقة؟ " قالوا: حرّمها الله ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة, قال: " لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت، أيسر من أن يسرق من جاره" أخرجه احمد

 

وقال صلى الله عليه وسلم  : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره" البخاري .

 

وعن أبي هريرة قال رجل : يا رسول الله إن فلانة يُذكرمن كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ,  قال : " هي في النار " ,  قال : يا رسول الله , فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصلاتها , وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها ,  قال : " هي في الجنة " صحيح الترغيب والترهيب , كما ينقل أبو هريرة قوله صلى الله عليه وسلم  : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" مسلم

 

بل قد بلغ الاهتمام به درجة غير مسبوقة ، كون الجار يعلم حال جاره الفعلي أكثر من الناس ، فقد يكون متعففا عن السؤال رغم فقره ، لذا يقول ففي الحديث : " ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم " الترغيب والترهيب