ضحكات مزيفة ليلة الكريسماس !
7 ربيع الثاني 1439
د. خالد رُوشه

وسط ضجيج صاخب من الفرقعات الضوئية الملونة وضباب كثيف من دخان الألعاب المضيئة يشق صاحبي طريقه بعناء ليصل الى بيته القريب من ميدان الاحتفالات بالكريسماس

 

اللافتات عن يمينه وشماله تهنئه بالعام الجديد ، وصورة " البابا نويل " ملصقة على كل جدار ، والأجراس الصاخبة تخرق الآذان .

 

 

لم يكد صاحبي يصل بيته حتى نادته كلمات إمام المسجد الذي صلى فيه العشاء ، وكان قد هم بالخروج لكنه وقف على بابه ممسكا باحد زوجي حذائه ومسقطا الأخرى على الأرض وقابضا على كتاب " الإعلام والتأثير على الرأي العام " الذي يدرسه في كلية الإعلام بالفرقة الثالثة .

 

 

كان الإمام يحرص على أن يختصر كلماته ويوصل ما يري بصورة سهلة : " ياجماعة الاحتفال هذا ليس لنا ، بل لهم هم " ، " هذا احتفال ديني ولاشك في منعه شرعا " .. " نحن لنا عيدان هما الفطر والأضحى وفقط " ، " استمسكوا بهويتكم ، واعتزوا بشريعتكم ، ولا تُغفلكم الاضواء الصاخبة ".

 

 

فزع صاحبي من رحلة خياله إلى اصوات شديدة ومتتابعة من الألعاب تعلن عن وصول الساعة إلى الثانية عشرة من منتصف الليل ، ذروة الاحتفالات ..

 

 

حاول أن يسكت صوت كلمات الإمام بداخله قائلا : " أنا فقط ابحث عن السعادة !"

سارع إلى تغيير ثيابه ، إذ ذكر موعده للسهر حتى الصباح  مع زملائه احتفالا بالعام الجديد ..! ، تعثر في كتبه الدراسية الي يملؤها الحديث عن كيف يستغفل الإعلام البسطاء ، وكيف يستدرجهم نحو ما يريد ..

 

 

خرج الى زملائه وكلمات الإمام لازالت تدق قلبه ، حتى وهو جالس على منضدة يعلوها الطعام الشهي ، وتحيط بهم صرخات الشباب المنتشية ضحكا من كل جانب !

 

 

لم يفق من غفلته إلا عندما رأى بجواره وعلى المنضدة المجاورة ، زجاجة كانها من الخمر موضوعة ومن حولها كؤوس فارغة يستعد الجالسون أن يشربوا منها !

 

 

عندها ثار بداخله ثورة الألم لأجل قيمه ومبادئه ولأجل دينه وشريعته ، وقام بين اصدقائه غاضبا من انتهاك محارم الله ، وبدا يكرر عليهم - بصوت يُسمعهم - كلمات إمام المسجد التي لازمته طوال الليلة ..

 

 

لقد بدا له أن هناك استدراجا من الشيطان في مثل تلك الاحتفالات الصاخبة لتصبح ليلة ماجنة يُعصى فيها الله ، باسم البحث عن السعادة

لقد علم أنها سعادة مزيفة تلك التي يفتعلها الناس ليخرجوا من حالة الرتابة التي يعيشونها والتي وضعوا أنفسهم فيها ..

 

 

سعادة مزيفة لأنها ظاهرية ، يضحك الناس من أفواههم لا من قلوبهم ، والسعادة لا تكون إلا عندما تخرج من القلب ، ولا سعادة في قلب إلا وهو طائع لله مرتبط بأمره بعيد عن نهيه

 

 

وعلم أنها سعادة مؤقتة ، قد تبقى ساعة او ساعتين ، ثم ترحل ،والسعادة الحقيقية دائمة باقية ، ولا يمكن بقاؤها إلا إذا كانت متصالحة مع قيمه ومبادئه ودينه ،  فلا تترك آثار الندم والألم

 

 

لقد نظر صاحبي للمحتفلين من حوله وهم منتشين في غفلة عميمة ، يكاد بعضهم لايسمع صوت بعض من الضوضاء ، فعلم أنهم إنما يلجؤون لهكذا حال ليخفوا بداخله صرخاتهم من الوحشة والضيق والهم ، جاهلين بأن السرور والحبور والطمانينة والسكينة ، والهدوء وراحة البال ، إنما هي في ذكر الله ورضاه ..

 

 

قال له احد زملائه ، حسنا ، سأعود إلى بيتي وأحتفل مع اسرتي ، حيث لا ضجيج ولا ضوضاء ..

 

قال له : ليس الأمر خاصا بالضجيج وحده ، إنما هو خاص بالعقيدة في العمل ذاته ، فإذا كانت الأعمال الدينية التي يقوم بها الشخص بلا دليل ، مردودة عليه ، حتى لو كانت صلاة منهيا عنها أو ذكرا مبتدعا .. فما بالك بمشابهة غير المسلمين في مجونهم ؟ .. ومتابعة من حرفوا وبدلوا ؟!

 

 

هؤلاء المحتفلون من المسلمين يحتفلون بما لا يؤمنون به ، قد تركوا هويتهم ، وانسلخوا عن قيمهم وراحوا لاهثين وراء خواء يقلدون فيه آخرين من غير ملتهم ولا شريعتهم .

 

 

عاد صاحبي لبيته يملؤه الرضا ، يتحرك لسانه بالاستغفار ، وما إن دخل بيته حتى استلقى على أريكته وراح في سبات هادىء  ، لم يوقظه إلا صوت نداء الفجر ، والذي يرفعه ذاك الإمام الناصح الكريم ..