فوضى الاوقات تعثر الخطوات ..
29 ربيع الأول 1439
د. خالد رُوشه

قد يملك امرىء من اليقين والطهارة القلبية ما يملكه عابد طائع وعالم منجز .. لكنه لايحسن إدارة وقته !

 

ربما تجد شخصا منتظما في طاعته وصلاته الجماعة والفجر، بل وقيامه بالليل ، لكونه قد نظم وقته ورتب شأنه ، في حين تجد آخر مثله في كل شىء ، قد تأخر وتراجع وفرط كونه فوضوي تائه ..!

 

التوفيق للطاعات بيد الله أولا وآخرا نعم ، لكنه ايضا يحتاج الأخذ بالاسباب والعزيمة على الرشد ..

 

الثبات على العبادة هو النصيحة الغالية التي نصحها النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، حتى وان كانت قليلة ، " ادومه وإن قل " ولما وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم قالت " كان عمله ديمة " اخرجه ابو داود

 

لا يمكن تحقيق هذا الثبات إلا بترتيب الأوقات ، وتنظيم الشأن ، وحسن ادارة اليوم ..

 

بالمتابعة وجدت أن كثيرا من الموظفين وأصحاب الأعمال الحياتية المنتظمة  عبر سنين ، ينتظمون في أوقات العبادة ايضا ، وأن الذين يقضون أوقاهم بعشوائية ، أو بحسب رغباتهم ليسوا منتظمين في العبادات ، بل يؤدونها بمشقة !

 

وانا هنا اتكلم عن أهل الإيمان ، ممن يحرصون على العبادة ويحبونها ..

 

فالذين يحرصون على النوم مبكرا غالبا ما ينتظمون في صلاة الفجر ، ويؤدون الصلاة بهدوء وتركيز ، بينما الذين اعتادوا السهر إنما يؤدون الصلاة بعدم تركيز يؤثر سلبا على الخشوع .. هذا على الرغم من تساويهم في حب العبادة والرغبة فيها  .

 

كذلك الذين يرتبون أعمالهم ومشغولياتهم بحيث لا تتراكم عليهم ، يستطيعون الثبات على العبادات المنظمة كالسنن الرواتب وصيام النوافل وغيرها

 

ويستطيع الناجح في ادارة وقته أن ينتظم في ورده من القرآن أو درس العلم بلا مشقة تذكر ، بينما يجهد الآخر نفسه للحاق به ، على الرغم من كونه  - ربما اذكى منه وأكثر ادراكا !

 

وقل على نمط هذه الأمثلة اشياء كثيرة ..

 

إن نمط الفوضى الحياتي قد اضاع كثيرا من وقت وجهد واثر قطاع عريض من الطيبين اصحاب النوايا الحسنة .

 

واسال معي كم من كتاب بدأ بدراسته ثم توقف ، وكم من درس علم لم يكتمل ، وكم من عبادة لم ينتظم فيها ، وكم من نية طيبة لم يستطع إخراجها لحيز التنفيذ !

 

 

للاسف فإننا نرى حياة الكثيرين من هؤلاء الطيبين تعتمد على الفوضوية في إدارتها ، ولو تأملنا حياتهم لوجدناها أعمالاً دون سابق تخطيط أو تنظيم.

بل قد تمر الأعمار جميعا دون انجاز أو انتاج يذكر ، واذا رأى الابناء هكذا أحوال من آبائهم وأمهاتهم ، فكيف ستكون أحوالهم ؟!

 

الناجحون ليسوا فوضويين ، والمؤمنون شخصيات ناجة فالحة ، بل هم أفلح البشر على الإطلاق ، لكنهم عندما يتركون أنفسهم للفوضوية فإنما يتركون وصف النجاح واسبابه ، لأنهم لن يستطيعوا أداء أعمالهم النورانية العظيمة كما ينبغي ..

 

هذه الفوضى قد عمت كثيرا من جوانب حياتنا ، حتى غاب عنا الاتقان ، واتصفنا بالهامشية والعشوائية  ، وغفلنا عن أمره صلى الله عليه وسلم بالإتقان والجدية  " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " ابو داود ،  " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " اخرجه مسلم

 

 

إن ساعة من التخطيط الجيد للذات يوميا ، والترتيب المنظم للأوقات ربما تقدم في بعض الأحيان على غيره من أعمال الخير ، لأنه ايضا يصلح أن يكون عبودية إذا أصلح صاحبه النية وجعلها لله ..