من أجل يوم سعيد
21 ربيع الأول 1439
د. عامر الهوشان

السعادة مطلب جميع البشر ومبتغى بني آدم وغاية كل إنسان , يسعى جاهدا لتكون رفيقه في سنوات عمره القصير و نصيبه مع طلوع شمس كل يوم جديد فيحظى بها أحيانا ويفقدها في كثير من الأحيان , وينعم بأنسها وسحرها ولذتها يوما ويغتم ويستوحش لغيابها أيام .

 

وبينما يظن الكثير من الناس أنهم قد امتلكوا أسباب السعادة وأمسكوا بناصية مصادرها بسبب وفرة المال بين أيديهم وتبؤوهم أعلى المناصب وتقلبهم في المتع والشهوات .....إذ بهم يستيقظون من غفلتهم ويصحون من سكرتهم ووهمهم ويكتشفون أن ما كانوا عليه لم يكن سوى لذات جسدية آنية وأنهم ما ذاقوا طعم السعادة الحقيقية يوما .

 

كثيرة هي الأقوال والأعمال التي جعلها الله تعالى مفاتيح يلج من خلالها العبد المؤمن أبواب السعادة ويدخل بالتزامها عالم الطمأنينة والسكينة والرضا وراحة البال في زمن كثرت فيه أعراض مرض الكآبة وضيق الصدر وكثرت فيها الهموم والغموم وساد القلق والاضطراب أفئدة كثير من الناس .

 

استيقاظ المسلم قبيل الفجر ولو بدقائق معدودة ليشهد وقت السحر المبارك وليصفّ قدميه في محراب العبودية لله راكعا وساجدا يرجو رحمة الله ويناجيه خاشعا في أقرب ما يكون العبد من ربه , وشهوده صلاة الفجر في جماعة خلف الإمام , وجلوسه بعد ذلك حتى طلوع الفجر يقرأ ورده من الأذكار الصباحية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلو ما تيسر له من كتاب الله تعالى , وختم ذلك بصلاة الضحى ولو ركعتين ....هو في الحقيقة وصفة نبوية إسلامية ليوم ملئ بالسعادة والنشاط والحيوية .

 

كثيرة هي الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أن السعادة مقرونة بطاعة الله تعالى والتزام أوامره واجتناب نواهيه وأن التعاسة والكآبة والقلق مصدرها معصية الله والابتعاد عن دينه الحق ومنهجه القويم .

 

قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون } النحل/97 , وقال تعالى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه 123-124 , وقال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد/28 , وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } الفتح/4 

 

ومع كثرة الشواهد والأدلة النبوية التي تؤكد ارتباط سعادة المسلم بطاعة الله وتلازم طيب عيش المؤمن بالتزام هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم......إلا أن ما يعنينا هنا هي تلك الوصفة النبوية التي من شأن الالتزام بها والعمل بمقتضاها أن تجعل من يوم المسلم سعيدا ومن ساعات نهاره طاقة ونشاطا وحيوية . 

 

لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم إذا صلوا الفجر جلسوا في مصلاهم حتى تطلع الشمس , ففي الحديث عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم  كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح - أو الغداة - حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام . صحيح مسلم برقم /670

 

و في حديث آخر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة ) سنن الترمذي برقم /586 وحسنه الألباني .

 

ومع ملاحظة الثواب العظيم الذي وعد الله تعالى به عباده الملتزمين بهدي هذا الحديث الشريف الذي يعدل أجر حجة وعمرة تامة.....هناك من الفوائد والمزايا والعطايا للذاكرين المصلين في هذا الوقت المبارك ما أثبته العلم الحديث وأكده العلماء المختصون .

 

إن جميع الاستشاريين النفسيين والمختصين بما يسمى "التنمية البشرية" يؤكدون أن وقت السحر إلى طلوع الشمس هو وقت مميز ومهم جدا لمن يريد أن يكون يومه سعيدا , مشيرين إلى أنه لم يمر عليهم شخص ملتزم بالاستيقاظ في هذا الوقت المبارك ويشتكي من الكآبة , ومنوهين إلى أن معظم الذين يعانون من الكآبة ويفتقدون للسعادة هم من فئة الذين ينامون عن وقت السحر وصلاة الفجر ولا يستيقظون إلا بعد أن تكون الشمس في كبد السماء .

 

كثيرة هي الإحصائيات والبحوث والدراسات العلمية التي قام على إعدادها مختصون من غير المسلمين وأصدرتها جامعات غربية تتحدث عن وجود طاقة ما يسمى "الأيونات الصباحية" التي تبدأ من أوقات السحر إلى وقت طلوع الشمس , وتؤكد أن من شأن التعرض لها  إحداث تغيير في نفسية الإنسان , وأنها تجعل الدورة الدموية أفضل وتنظف الكبد والكلى وتساعد القلب على أن يعمل فترات أفضل .....

 

ومع التأكيد على أن مصدر سعادة من يتعرض لنفحات الله في وقت السحر إلى طلوع الشمس إنما هو طاعة الله تعالى وعبادته ....إلا أن ذلك لا يمنع الاستئناس بما أثبته العلم الحديث من وجود طاقة في هذا الوقت من شأنها أن تساهم في سعادة الإنسان....للتأكيد مجددا على أن الخير كل الخير في الالتزام بأمر الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم .