9 ربيع الأول 1439

السؤال

ما حكم حجز الأماكن في المسجد ومنع الناس من الجلوس فيه؟

أجاب عنها:
محمد بن إبراهيم آل الشيخ

الجواب

سبق أن أجاب عن مثل هذا السؤال الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ وهذا نص جوابه:

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فوصلنا كتابكم تاريخ 23/9 الذي تذكرون فيه أن بعض الزمازمة والمطوفين يفرشون بسط وحنابل في المسجد ، ويمنعون الناس من الجلوس عليها والصلاة، ويتحجرونها لبعض الحجاج الذين يفدون عليهم .
فنفيدكم أن هذا لا يجوز ، لأن المساجد لله سبحانه ، والسابق أحق من المتأخر ، والسبق والتقدم إلى المسجد يكون بالبدن لا بالفراش والوطاء ، فمنع الناس والحالة هذه لا يجوز ، بل هو ظلم وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق ,وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من ظلم قيد شبر من الأرض طُوقَ به سبع أرضين يوم القيامة" (1) .
وأيضاً : فعمارة المساجد بطاعة الله فيها من الذكر والقراءة والصلاة كما في حديث أبي سعيد :" إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ثم قرأت ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة) " الأية (2) رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب .
ومتحجر تلك البقعة مانع لتلك العمارة المعنوية المطلوبة شرعاً والمرغوب فيها ، ولا يبعد دخوله تحت قوله سبحانه : (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ) الآية(3) .
ثم إن واضع ذلك الوطاء والفراش ونحوه قد يحمله ذلك على التأني والتأخر عن إتيان المسجد في أول الوقت ، ويفوت على نفسه بسبب ذلك خيراً كثيراً ، وقد يأتي متأخراً ويتخطى رقاب الناس وهذا حرام كما في الحديث : " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له اجلس فقد آذيت " (4) .
ولم يكن من عادة السلف الصالح وضع تلك الفراش وتحجر المساجد ، بل أنكروا ذلك وعدوه بدعة في الدين ، وكل بدعة ضلالة ، كما يرون أن عبد الرحمن بن مهدي فرش مصلاه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بحبسه ، وقال أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة .

فإذا علمت ما ذكر فلا شك أن فعل ذلك في المسجد الحرام أعظم تحريماً وأشد منعاً ، لعظم حرمة ذلك المسجد ، وقد صرحت الأدلة أن المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان ،قال الله سبحانه : (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نُذقه من عذاب أليم ) (5) .
قال ابن الحاج في " المدخل " : ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين ، فإذا بسط لنفسه شيئاً ليصلي عليه احتاج لأجل توسعة ثوبه شيئاً كبيراً ليعم ثوبه على سجادته ، فيكون في سجادته اتساع خارج فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما إن سلم من الكبر من أنه لا ينضم إلى سجادته أحد ، فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم هو ولم يأمرهم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكبر من ذلك فيكون غاضباً لذلك القدر من المسجد ، فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة حيث قال :" من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة " وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا وقت الصلاة ،وهو في وقت الصلاة غاصب له ، فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته ، فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاضباً لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه ، لأنه ليس له أن يحجزه ، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته . انتهى .

__________
(1) عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من أخذ شبراً من أرض ظلماً طوق يوم القيامة إلى سبع أرضين " .متفق عليه .
(2) سورة التوبة ـ 18 .
(3) سورة البقرة ـ 114 .
(4) وآنيت رواه ابن ماجه .
(5) سورة الحج ـ 35 .