لماذا إذن نشتكي الفقر ؟!
5 صفر 1439
أميمة الجابر

ضاعت البسمات من وجوه الكثيرين , و امتلأت العيون حيرة ، و انشغلت العقول فكرا ، فقد كثرت الآعباء , و زادت الضغوط , و توالت المتطلبات و أصبحت الحياة هما علي هم .

 

الكل يخشى الغد و يحمد الله عندما يرحل يوم و ينتهي بمسئولياته !

 

لقد قلت الموارد ، و اشتكي الآباء الفقر , فيا تري لماذا إذن اشتكوا الفقر؟ !

 

عادة ما يشكو المرء الفقر عندما يعجز عن تلبية ما يحتاج حاجة ماسة ، فيستشعر به ، وهذا الشعور من أشد وأقسى المشاعر على العائل ..

 

لكن الحقيقة أن هناك مشاركة عميقة من الجميع في اسباب فقره ، بل قد يكون الشخص ذاته سببا في فقر نفسه ..

 

فالتقصير في الاستغفار والتوبة مع التلبس بالذنوب سبب من اسباب المعاناة ، فالاستغفارسبب في زيادة الرزق ، يقول سبحانه " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكن جنات ويجعل لكم أنهارا "

 

والذنوب تتراكم على المرء فتهلكه ، والرجل يحرم الرزق بالذنب يصيبه

 

والقبول بالربا يمحق بركة المال ،  إذ يقول تعالي " يمحق الله الربا " ، قال البغوي : أَيْ: يَنْقُصُهُ وَيُهْلِكُهُ وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ .

 

والغش في السلعة سبب من اسباب المحق والأزمات ، إذ يتكسب صاحبه من حرام ، والحرام لايبارك فيه .

 

وعدم اتقان العمل سبب آخر, فإن المهمل في عمله يؤذن الناس بالبعد عنه ويدعوهم للنفور منه ، فهل سيطلبك الناس لعمل يخصهم إذا وجدوا عملك غير متقن ؟ !    

 

والإسراف في النفقة سبب من اسباب الفقر ايضا ، فالاعتدال والوسطية خير وحكمة ، كما أن الإدخار سلوك راشد لاوقات الأزمات ، بشرط ألا يمنع من زكاة أو صدقة او بر .

 

بل إن الكسل والقعود والخمول والاعتماد على الغير في قضاء المطالب ، والتأجيل والتسويف ، سبب آخر من اسباب العوز والحاجة ، فقد تعوذ النبي صلى الله ليه وسلم من تلك الصفات " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل .." البخاري

 

واليأس و عدم احسان الظن بالله تعالي سبب من اسباب العوز ، فاذا كنت تخشي الفقر و تحب أن رزقك يزيد ، عليك أن تطمئن بأن الله تعالي هو الرزاق يضمن لك رزقك , وقد تكفل سبحانه بتوفير الرزق لعباده  أجمعين يسوقه اليهم في قوله تعالي :" و ما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها " .

 

على الجانب الآخر فإن هناك ابوابا كثيرة هي أيضا اسباب في بركة الرزق وزيادته :

 

فتقوي الله تعالي ، سبب عظيم في البركة والرزق ، يقول تعالي " و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب "

 

وصلة الأرحام تكثر الرزق ، و تبارك في العمر لقوله صلي الله عليه و سلم : " من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه " متفق عليه.

 

فقطع الرحم يمنع الرزق و يصيب صاحبها بالهم و الغم و ينزع البركة من ماله  .

 

إن الأرزاق مقسمة من عند الله تعالي و لكنها تتفاوت بتفاوت ما قدر لكل امرىء ، ومعلقة باسباب وأساليب السعي للحصول عليها , فالرزق مضمون لمن يسعي ، يقول تعالي : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور "

 

فإجتهد ، ولا تتواكل ، بل توكل علي الله  و خذ بالأسباب و كن مثل الطير كما وصفها النبي صلي الله عليه و سلم : " لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله ليرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا و تعود بطانا " اخرجه مسلم

 

وكن من الشاكرين الحامدين فقد قال سبحانه : " لئن شكرتم لأزيدنكم "

 

تصدق ولو بالقليل إن استطعت ، فما نقص مال من صدقة  .

 

فاذا افتقدت كثرة المال يوما ، فأنظر إلي صحتك واحمد الله ، وإذا افتقدتهما  فأنظر لأولادك تجدهم في خير عن غيرهم ، وان افتقدت الثلاثة ، فأنظر لأهلك وسكنك , واحمد الله علي كل هذا الخير .

 

وإذا اقدتت كل ما سبق فانظر إلى نعمته عليك من سمع وبصر وكلام وحركة ، وأعظم ذلك كله نعمة العبودية وقدرتك على العبادة والشكر والذكر .. بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يعتبر الغنى ابدا غنى المال ، قال :" ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس " أخرجه مسلم 

أفبعد كل هذه النعم  ، يوجد منا أحد فقير ؟!