ماذا بعد تهجير الروهينغيا ؟!
1 صفر 1439
د. زياد الشامي

قد يبدو السؤال غريبا شيئا ما إذ ماذا يمكن أن يحل بالروهينغيا أكثر من الاضطهاد والتعذيب والقتل والاغتصاب والتهجير الذي لاقوه من حكومة ميانمار بالتنسيق مع العصابات البوذية الحاقدة ؟!!

 

 

إلا أن سوابق المحن التي ألمت بالأقليات المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها مؤخرا والأحداث الجسام المتوالية التي تمر بها مأساة الروهينغيا منذ 25 من أغسطس الماضي على الأقل ....تجعل من التساؤل عن مصير مئات الآلاف من مهجري مسلمي أراكان ومدى إمكانية عودتهم إلى وطنهم الأم ومحاسبة المسؤول عن محنتهم ومعاناتهم مطروحا ومنطقيا في ظل نظام عالمي متواطؤ وغارق حتى أذنيه في الجرائم المرتكبة بحق المسلمين حول العالم .

 

 

أولى المسائل المهمة التي ينبغي على الدول الإسلامية الاهتمام بها الآن هي العمل على تلبية احتياجات اللاجئين الروهينغيا في بنغلادش وقد شارفت أعدادهم على إتمام الــ600 ألف لاجئ منذ الـ25 من أغسطس الماضي حسب المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية "جويل ميلمان" الذي أشار إلى أن إجمالي عدد الروهينغيا الذين وصولوا إلى بنغلادش قبل الأحداث الأخيرة (في 25 أغسطس) وبعدها وصل إلى 800 ألف لاجئ" .

 

 

ضمن هذا الإطار يمكن ذكر كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردغان التي أطلقها خلال كلمة له في القمة التاسعة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية التي انطلقت أمس الجمعة في مدينة إسطنبول حيث قال : إن الاكتفاء بمتابعة مأساة مسلمي الروهينغيا لايليق بنا، كما لايليق إلقاء عبء اللاجئين على بنغلاديش فقط .

 

 

الرئيس التركي أشار إلى أن المهم في هذا الموضوع كم الأعباء التي من الممكن تقاسمها مع بنغلادش التي تقوم بإيواء اللاجئين من مسلمي إقليم أراكان , مضيفا أنه يتعين عليهم أن يقولوا لبنغلاديش : "نحن نقف إلى جانبكم في تخفيف أعباء اللاجئين"، مؤكداً أن ذلك سيقوي عزيمة بنغلاديش .

 

 

يمكن إدراك مدى ضرورة التفات الدول الإسلامية إلى احتياجات اللاجئين الروهينغيا في بنغلادش بعد محنة تهجيرهم من وطنهم الأم أراكان حين نطالع التقارير الكثيرة المحلية والإقليمية والدولية التي تتحدث عن حجم المعاناة التي يكابدونها والمتطلبات الحياتية الأساسية التي يحتاجونها .

 

 

إحدى تلك التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أكدت أمس أن قرابة 340 ألف طفل من الروهينغيا يعيشون في ظل أوضاع قذرة في مخيمات داخل بنغلاديش ويفتقرون إلى ما يكفي من الطعام والماء النظيف والرعاية الصحية .

 

 

المنظمة ذكرت في تقريرها تحت عنوان "منبوذون وبائسون" أن مياه الشرب الآمنة ودورات المياه "في نقص شديد" داخل المخيمات والمستوطنات المكدسة الفوضوية , وأكدت أن التقديرات تشير إلى أن واحدا من بين كل خمسة أطفال من الروهينغيا تحت سن الخامسة يعاني من سوء التغذية الحاد , منوهة إلى أن ما يصل إلى 12 ألف طفل آخرين ينضمون إلى هؤلاء الأطفال أسبوعيا هربا من العنف أو الجوع في ميانمار وما زالوا يشعرون بالصدمة بسبب الفظائع التي شهدوها .

 

 

التقرير حذر من أن "الظروف المعيشية المرعبة في مخيمات (اللجوء ببنغلاديش)، والأمراض المعدية التي تنتقل عبر المياه أمور باتت تشكل تهديدا على 320 ألف طفل (روهنغي) " .

 

 

وإذا انتقلنا للتساؤل عن إمكانية عودة اللاجئين الروهينغيا إلى وطنهم الأم أراكان بعد تهجيرهم من قراهم قسرا ومدى واقعية محاسبة جيش ميانمار والعصابات البوذية عن جرائمهم الفظيعة التي ارتكبوها بحق الروهينغيا والتي تم تصنيفها بكونها إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية و...... فإن الجواب يميل إلى النفي وعدم إمكانية تحقيق هذا المطلب العادل على المدى المنظور على أقل تقدير .

 

 

لا يعود السبب في ذلك إلى وجود التباس في تحقق أركان الجريمة أو نقص في الأدلة على وقوعها أو إثباتها وتوثيقها , فعدد المنظمات الدولية والأممية التي وثقت جرائم جيش ميانمار والعصابات البوذية بحق الروهينغيا كبير وكثير , لعل آخرها اتهام صريح من مستشارين أمميين لحكومة ميانمار ومسلحين بوذيين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وأخرى ضد الإنسانية وتهجير الآلاف من الروهينغيا من وطنهم الأم أراكان , ومطالبة منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي للتحرك ومعاقبة مرتكبي حملة القمع "الممنهجة والمخطط لها" ضد أقلية الروهينغيا المسلمة في ميانمار .

 

 

المنظمة التي أكدت أنها حصلت استنادا إلى إفادات ناجين وصور التقطتها أقمار اصطناعية على عناصر جديدة "تؤكد حصول جرائم ممنهجة ضد الإنسانية تهدف إلى ترويع الروهنغيا وتشريدهم" , وأوضح تقريرها أن جرائم الحكومة الميانمارية تتم على نطاق واسع وتشمل : التعذيب والقتل والاغتصاب والتشريد والاضطهاد والتجويع قالت في نهاية التقرير : إن الوقت حان "لوقف التعاون العسكري مع ميانمار وفرض حظر على تصدير السلاح لها إلى جانب فرض عقوبات محددة الأهداف ضد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان" في هذا البلد .

 

 

بل يعود سبب تمادي حكومة ميانمار في إجرامها بحق الروهينغيا الذي وصل إلى حد إجبار من لم يستطع الفرار من مسلمي أراكان للإقرار تحت تهديد السلاح بأن المهجرين هم من قاموا بحرق بيوتهم بأيديهم قبل النزوح إلى بنغلادش وليس جيش ميانمار , وكذلك إسراف العصابات البوذية في انتهاك حقوق مسلمي أراكان لدرجة نهب وسلب ممتلكات من تبقى من الروهينغيا بتهديد السلاح ....... إلى عدم اتخاذ المجتمع الدولي والمنظمة الأممية أي إجراء من شأنه أن يردع حكومة ميانمار أويوقف على الأقل الحملة الهمجية التي تشنها على الأقلية المسلمة فيها في الوقت الذي تقيم فيها الدنيا ولا تقعدها إذا تعرضت بعض الأقليات في الدول الإسلامية لأي إجراء لا يعجبها أو لا ينسجم مع مخططاتها وأجندتها .