12 ربيع الأول 1439

السؤال

أنا فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، أبي انفصل عن أمي وهي مريضة، ويريدني أن أعيش معه، وأنا أرفض لأن معه زوجته الأخرى وأولاده، فغضب مني لأنني قررت أعيش مع والدتي المريضة، فقاطعني ولم يرد على مكالماتي ولا ينفق عليّ، ولا يعدل بين أبنائه ولا بين أزواجه، علماً أنني كنت بارة به، ولا أقصر معه كنت أقوم برعاية يديه أو قدميه أو أي شيء آخر يريده، رغم حالتي الصحية، أنا الوحيدة من بين أولاده تخرجت من الجامعة بتفوق مع مرتبة الشرف ومع ذلك لم يمسح جرحي أبداً بهدية أو حتى كلمة طيبة، أنا أحبه جداً وأشعر أني أفتقده فلم أره منذ سبعة أشهر، ماذا أفعل؟.. هل أعتبر أني قاطعة رحم؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

الابنة الكريمة..

أسأل الله لك الثواب الجزيل والأجر الكبير، لنيتك الطيبة، وبحثك عن الصواب، وإبقائك لحب أبيك في قلبه رغم ما بدا منه معك من جفوة..

 

ودعيني أؤكد لك أنه إذا كان يخاصمك الآن ولا يكلمك، فإنه رغم ذلك يحبك وكان يتمنى أن تعيشي معه – كذا حال الآباء -.

وهو يذكر أعمالك الطيبة معه ولا شك، ولعل زوجته الثانية لا تعوضه اهتمامك به وبرك له، ولعل أبناءه الآخرين الذين يعيشون معه لا يعوضونه عن اهتمامك.

 

وأظن أنه قد شعر في غيابك عنه بقيمتك، وبمدى حبك له وحنانك عليه، وتفانيك في خدمته، والآن هو يفتقدك تماماً مثل افتقادك له.

 

كذلك قد يكون مع ذلك يرغب في رعايتك والطمأنينة عليك بأن تكوني أمامه ولست بعيدة عنه.

 

ولا نستبعد أيضاً كونه يجد شيئاً في قلبه من تفضيلك للسكنى مع أمك على السكنى معه.

 

لكن والدتك أيضاً لها عندك نفس الحق من البر – وربما يزيد كونها الأم -، وهي في أمَسّ الحاجة إليك، فهو معه زوجته لكن والدتك ليس معها إلا أنت.

 

وأحب أنْ أبيِّن لك موقف الشريعة من سؤالك حول سكناك:

- فحضانة الأبناء قبل سن السابعة من حق الأم، مادامت لم تتزوج.

 

- أما لو تزوجت الأم فتنتقل منها الحضانة.

 

- وحضانة الأطفال بعد سن السابعة هي باختيارهم الشخصي، فيخير الطفل الذكر بين أمه أو أبيه، وهناك خلاف في التخيير للأنثى بين أهل العلم، فجمهور الفقهاء على أحقية الأم بالأنثى من غير تخيير، ويرى الشافعي أن الابنة الأنثى أيضا تخير بين السكنى مع أحد أبويها، ويرى أحمد أحقية الأب لقدرته على الحماية لها.

 

- أما في سن الرشد – الذي هو سنك - فالابنة الأنثى تختار من تشاء منهما لتسكن معه، ولا تسكن وحدها..

 

- وأما نفقة البنت فعلى أبيها حتى تتزوج، فإن عجز أو كان فقيراً وكانت أمها غنية فعلى الأم.

 

وتعالي معي نقف عند نقاط مهمة حول مشكلتك:

الأولى: حول سؤالك عن اعتبار بُعدك عنه هل هو من العقوق له أم لا، فهناك اعتبارات حول ذلك، فإن كنتِ تقومين بدورك في السؤال عنه، ولا تمتنعين عن زيارته بإرادتك، مما يترتب عليه غضبه منك، فذلك نوع من معصية الوالدين التي قد تؤدي إلى عقوقه.

 

وأما إن كنت تبذلين جهدك في زيارته، وتبحثين عن الطرق لإرضائه ورعايته والسؤال عنه – كما يبدو من سؤالك -، في حين أنه هو من يمنعك عنه ويبعدك ويعاقبك بذلك، فأنت لست واقعة تحت الإثم، ولا أنت من أهل العقوق أبداً، فالأمر ليس بيدك والبعد لست أنت سببه.

 

الثانية: أن لك أمّا تحتاج وجودك بجانبها، وتحتاج رعايتك لها، وهي ضعيفة كما تقولين ومريضة، وليس لها من يعولها، في حين أن له من يعوله.

 

الثالثة: يعتبر أيضاً خوفك من سوء العلاقة مع زوجة أبيك، وعدم قدرتك على التفاهم والتكيف معها، وأن هذا سبب لاختيارك السكنى مع أمك، خصوصاً وأن لك حق الاختيار.

 

الرابعة: لكن خطأك في حق والدك أنك ظللت سبعة شهور بعيدة عنه، فينبغي عليك أن تحاولي مرات عديدة الوصول إليه.

جددي المحاولة مرات أخرى بالهاتف، أو عن طريق إرسال هدية، أو مقابلته، أو إدخال أحد الأقارب الذين يثق فيهم والدك ليصلح بينكم، لكن لا تستسلمي لنزغ الشيطان الرجيم الذي يريد أن يقع بينك وبين والدك العداوة والبغضاء.

فأنت فتاة ذكية ومتفوقة ومؤمنة وطيبة، وكل هذه الصفات ستجعلك تتفوقي في إيجاد طريقة لصلة والدك وكسب بره من جديد.

 

الخامسة: أما عدم عدله بين أبنائه أو زوجاته فحسابه سيكون بينه وبين الله تعالى، لكن سوء فعله هذا لا يمنعه حقه في برك له.

فلا تنسي الدعاء الكثير لله تعالى بأن يجمع شملكم، ويرقق قلبه إليك، فالله سبحانه قريب مجيب الدعاء.