نموذج فريد من بين أطلال الموصل
5 ذو الحجه 1438
أمير سعيد

تتكبل الأيدي، وتتلعثم الألسنة، وتشخص العيون في مصائبنا الكثيرة، نلجأ إلى الدموع أو آهات الألم؛ فتلك مدينة تهدم وهؤلاء يهجرون وأولئك يقتلون أو يجرحون، الكل يشعر بالوجع، لكن قلة فقط تحاول أن تغيير شيئاً من هذا الواقع الأليم.

 

من هذه القلة التي حاولت أن تحدث أثراً، مؤسسو "مؤسسة الموصل" التي ائتلفت من خبراء ووجهاء مدينة الموصل، وسعت لتفعيل مبادرة لتقليل الأضرار على ملايين العراقيين من سكان الموصل المدمرة. جهود مشكورة انصبت على الجانب الإنساني الإغاثي لدعم اللاجئين الموصليين، لكن "مؤسسة الموصل" اتجهت لزاوية أخرى، فأطلقت مبادرة لإشراف دولي على الموصل، باعتبارها مدينة منكوبة.

 

هذا الأسبوع توجهت المؤسسة بخطاب رسمي إلى الأمم المتحدة موضحه فيه حيثيات طلبها الذي دعمه عشرات الآلاف من الموصليين أوصلوا أصواتهم المتضامنة إلى المؤسسة طلباً لجعل المدينة "مدينة منكوبة" تخضع إشراف دولي مباشر بعد أن ضربتها الفوضى وارتكبت فيها جرائم من الحشد الطائفي وغيره جعلتها تفقد أكثر من 40 ألف شهيد، ويغادرها مضطرين أكثر من مليوني نسمة، وتتحول إلى كومة من تراب بفعل المدفعية والقصف الصاروخي والجوي الذي انصب عليها من أجل "تحريرها"!

 

ورغم أن أحداً لا يعول كثيراً على فعالية الأمم المتحدة ولا رغبتها في التدخل لحل مشكلة إنسانية كهذه بالأساس، ورغم أن كثيرين يعتقدون أن الأمم المتحدة بقواها الدولية المؤثرة قد تكون راغبة في أن ترى كثير من مدننا وحضائرنا قد تحولت إلى أكوام تراب، إلا أن التحرك الموصلي الجديد يبرهن على فعالية مُقدّرة لأشخاص رأوا أن مقاعد المتفرجين لا تليق بهم، فطرقوا بابا سلميا قانونيا هادئا، وشرعوا في تحريك الراكد، ووضعوا أنفسهم على الخارطة كممثل مقبول من أطياف موصلية يمكن الحديث إليه في ظل مصادرة تامة لإرادة الموصليين وتدمير مدينتهم وإحلال طوائف من دول أخرى محلهم. وإذ لا توصل هذه الطريقة بالضرورة إلى الهدف المنشود من تحقيق قدر من الحماية للمدنيين الأبرياء من تغول وإجرام الميليشيات الطائفية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب حقيقية وفقاً لتقارير غربية وشهادات ميدانية ومقاطع مرئية، إلا أنها ساهمت في بلورة فكرة حول تولية الأمر لأهله، أهل الموصل، الجديرين تاريخاً وحاضراً بحكم مدينتهم إدارياً، وإخراجها من أتون الإرهاب والعنف والتخريب، وفقاً لصيغة يراها الخطاب كفيلة بوأد حاضنة ممهدة وسط الدمار والقهر لاستيلاد الإرهاب والطائفية والاحتراب الداخلي.

 

لا أحد ينكر المؤامرات على الشعوب المسلمة في دول كثيرة، لكن هذه المؤامرات تنجح دائماً حين يظهر في وجهها محامون فاسدون أو حمقى، وحين تنحرف بوصلة مقاومتها إلى أعمال إرهابية، وحين يصبح المجال فسيحاً للدخلاء، وحين يتخلف المخلصون يظهر شذاذ الآفاق والعملاء ليدمروا كل هدف نبيل، ويفشلوا كل قضية عادلة.