مسائل تتعلق بالنيابة في الحج
30 ذو القعدة 1438
مجموعة من المشايخ الفضلاء

 

المسألة الأولى(*):

من أدى أحد النسكين فقط صح أن ينوب فيه قبل أداء الآخر، وأن يفعل نذره ونفله، فمن حج حجة الإسلام فله أن يحج نذرًا ونفلاً، وأن ينوب عن غيره في الحج قبل أن يعتمر، ومن اعتمر عمرة الإسلام فله أن يعتمر نذرًا ونفلاً، وأن ينوب عن غيره في العمرة قبل أن يحج.

قال في «المغني»: «وليس للصبي وللعبد أن ينوبا في الحج عن غيرهما؛ لأنهما لم يسقطا فرض الحج عن أنفسهما، فهما كالحر البالغ في ذلك وأولى منه، ويحتمل أن لهما النيابة في حج التطوع دون الفرض؛ لأنهما من أهل التطوع دون الفرض، ولا يمكن أن تقع الحجة التي نابا فيها عن فرضهما؛ لكونهما ليسا من أهله، فبقيت لمن فعلت عنه، وعلى هذا لا يلزمهما رد ما أخذا لذلك، كالبالغ الحر الذي قد حج عن نفسه». انتهى.

المسألة الثانية:

يصح أن ينوب الرجل عن المرأة، وأن تنوب المرأة عن الرجل في الحج والعمرة، ولا كراهة في نيابتها عنه للخبر، وحكم النائب كالمنوب عنه في ذلك لأنه فرعه، فلو أحرم بنذر أو نفل عمن عليه حجة الإسلام وقع إحرامه عنها، وكذا لو كان عليه حجة قضاء أو حجة نذر وأحرم بنفل، ولو أحرم بنذر حج ونفله من عليه حجة الإسلام وقع حجه عنها دون النذر والنفل، نص عليه الإمام أحمد؛ لقول ابن عمر وأنس، وتبقى المنذورة في ذمته، وكذا حكم العمرة وفاقاً للشافعية.

وقالت الحنفية والمالكية: يقع ما نواه، وهو رواية عن الإمام أحمد.

المسألة الثالثة:

يصح أن يحج عن معضوب واحد في فرضه وآخر في نذره، في عام واحد، ويعايا بها فيقال: حجات مفروضات تقع عن مكلف واحد في عام واحد، ويجاب عنها فيقال: هذا في المعضوب إذا نذر حجات وكان عليه حجة الإسلام فاستناب أشخاصاً لأدائها في سنة واحدة. انتهى. والمعضوب هو العاجز عن حج لكبر أو نحوه، من العضب بمهملة ومعجمة، وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف.

المسألة الرابعة:

يصح أن يحج عن ميت واحد في فرضه وآخر في نذره، في عام واحد؛ لأن كلا عبادة مفردة، كما لو اختلف نوعهما، وأي النائبين أحرم أولاً قبل الآخر فعن حجة الإسلام، ثم الحجة الأخرى التي تأخر إحرام نائبها عن نذره ولو لم ينوه الثاني عن النذر؛ لأن الحج يعفى فيه عن التعيين ابتداء لانعقاده مبهمًا ثم يعين، والعمرة في ذلك كالحج.

المسألة الخامسة:

يصح أن يجعل قارن أحرم بحج وعمرة أو بها ثم به، الحج عن شخص استنابه فيه، والعمرة عن شخص آخر استنابه فيها بإذن الشخصين في ذلك؛ لأن القران نسك مشروع، فإن لم يأذنا وقع الحج والعمرة للنائب وردّ لهما ما أخذه منهما؛ لأنه أمر بنسك مفرد ولم يأت به فكان مخالفًا كمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه، ذكره القاضي أبو يعلي وغيره.

وقدم في المغني والشرح يقع عنهما ويردّ من نفقة كل واحد منهما نصفها، فإن أذن أحدهما دون الآخر ردّ على غير الآذن نصف نفقته وحده؛ لأن المخالفة في صفته لا في أصله، ولو أمر بأحد النسكين فقرن بينه وبين النسك الآخر لنفسه، فالحكم فيه كذلك، ودم القران على النائب إن لم يُؤذن له فيه، وإن أذنا فعليهما، وإن أذن أحدهما دون الآخر فعلى الآذن نصف الدم ونصفه على النائب.

المسألة السادسة:

يصح أن يستنيب القادر والعاجز في نفل الحج وفي بعضه، كالصدقة، وكذا عمرة، وهذا المذهب وفاقاً للحنفية؛ لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب. وقالت الشافعية: لا يصح؛ لأنه قادر على الحج بنفسه فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض، وهو رواية عن الإمام أحمد.

المسألة السابعة:

يستحب أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو عاجزين، ويقدم أمه؛ لأنها أحق بالبر، ويقد واجب أبيه على نفلها، ولا يجوز أن يشرّك والديه ي حجة واحدة، بخلاف الأضحية، والله أعلم.

المسألة الثامنة:

النائب في فعل النسك؛ فرضاً كان أو نفلاً أمين فيما أعطيه من مال ليحج منه أو يعتمر، فيركب وينفق منه بمعروف، ويضمن نائب ما أنفقه زائدًا على نفقة المعروف، أو ما زاد على نفقة طريق أقرب من الطريق البعيد إذا سلكه بلا ضرر في سلوك الأقرب؛ لأنه غير مأذون فيه نطقًا ولا عرفًا، ويجب عليه أن يردّ ما فضل عن نفقته بالمعروف؛ لأنه لم يملِّكه له المستنيب وإنما أباح له النفقة منه.

وجزم الشيخ مرعي بأنه لا يرد الفاضل إن كان بجعل معلوم وإلا رده، قال في «الإرشاد» وغيره في حُجَّ عني بهذا فما فضل لك ليس له أن يشتري به تجارة قبل حجه. انتهى.

قال الإمام أحمد في الذي يأخذ دراهم للحج: لا يمشي ولا يقتر في النفقة ولا يسرف.

قلت: حاصل ذلك أن النائب في الحج له حالتان:

الأولى: أن يكون أخذ من المستنيب أو وارثه مالاً معلومًا ليحج عن المستنيب في مقابل ذلك، ففي هذه الحالة يكون النائب ضامنًا للحجة؛ لأنها في عهدته، فما غرمه في حجته هذه من نفقة أو دم نسك أو جبران أو غير ذلك، ففي ماله؛ لأنه أخذ المال ملتزمًا للحج عن المستنيب، وليس على المستنيب شيء من النفقة أو غيرها سوى ما دفع أولاً من المال للنائب، وإن لم يتيسر للنائب إتمام الحج بنفسه أو نائبه رد جميع ما أخذه من المال للمستنيب أو وارثه؛ لأنه لم يف بما حصل عليه الاتفاق بينه وبين المستنيب أو وارثه، وعلى هذا عمل الناس قديمًا وحديثًا.

الحالة الثانية: أن يكون النائب قصد الحج عن المستنيب من غير مقابلة مال معلوم؛ بل حصل الاتفاق بينه وبين المستنيب أو وارثه على أن يحج عن المستنيب بنفقته فقط، فهذا نائب محضًا، وأمين فيما ينفقه من مال المستنيب، فما لزمه في حجته من أجرة مركوب أو نفقة بمعروف أو دم أو غير ذلك فمن مال المستنيب، وإن قصرت النفقة واستدان بنية الرجوع على مستنيبه رجع، ولا يضمن شيئًا مما لزمه في حجته ما لم يتعدّ أو يفرط.

------------

(*) مستفاد من كتاب حاشية الروض للمشايخ : (5/37)