حين يكون المسلمون ضحايا "الإرهاب"
16 ذو القعدة 1438
د. زياد الشامي

تخفو حينها الأصوات الصاخبة المنادية بمحاربة ذلك "الإرهاب" ما دام ضحاياه مسلمون , وإن خرج صوت رافض لذلك العنف الممنهج وتلك الممارسات العنصرية المقيتة وذلكم الخطاب المليئ بالكراهية والتحريض على العنف ضد الموحدين....فهو صوت للدعاية والإعلان فحسب ولمحاولة تأخير الاعتراف بافتضاح كذب وزيف شعارات الحرية الدينية والمساواة وحماية حقوق الإنسان التي ظلت الكثير من الدول تتمسح بها لعقود خلت , وإن كانت هناك بعض ردود الأفعال على "الإرهاب" الذي يتعرض له المسلمون أقلية كانوا أم أكثرية فهي ردود هزيلة ضعيفة لا تردع القاتل الجاني المعتدي ولا تنقذ المعتدى عليه المظلوم المقهور .

 

 

هذا هو حال معظم الدول غير الإسلامية في تعاطيها مع ظاهرة تصاعد وتنامي "الإرهاب" الممارس ضد الأقليات المسلمة على أراضيها أو الغالبية المسلمة خارجها , في الوقت الذي تحاول فيه تلك الدول إلصاق تهمة "الإرهاب" بالمسلمين على وجه الخصوص رغم كونهم أكثر ضحاياه , وتجييش الجيوش وتحشد الحشود لمواجهته ومحاربته على حد زعمها .

 

 

كثيرة هي حوادث العنف المادي والمعنوي التي يتعرض لها المسلمون في دول القارة العجوز والأمريكيتين ودول شرق آسيا وجنوبها وتنقلها وسائل الإعلام وتوثقها الهيئات والمنظمات الحقوقية بل وتعترف بها حكومات بعض تلك الدول....دون أن تكون هناك إجراءات حكومية رادعة لذلك "الإرهاب" أو حتى اعتراف به كظاهرة تتفشى في مجتمعات تلك الدول وتنتشر بشكل كبير وخطير .

 

 

في السويد شمال القارة العجوز تكررت حوادث حرق مساجد المسلمين ورسم الصلبان المعكوفة على جدرانها وتزايدت حالات الاعتداء عليهم وتهديدهم بالقتل و....دون أن يُعتبر ذلك "إرهابا" يستوجب مواجهته ومحاربته ودون إجراء رادع من قبل الحكومة والسلطات .

 

 

يكفي أن نعلم أن عام 2014م شهد حوالي 14 حالة اعتداء ضد المساجد في السويد ثلاثة منها خلال شهر واحد , بينما تفيد الإحصاءات الصادرة عن المجلس الوطني لمنع الجريمة BRÅ أن المزيد من سكان ستوكهولم المسلمين يتعرضون إلى اعتداءات عنصرية لكونهم مسلمين , وأنه فِي عام 2015 سُجلت 200 جريمة كراهية للمسلمين في في العاصمة و هو ضعفي عدد الاعتداءات المشابهة التي حدثت عام 2012م , وأن العدد استمر بالازدياد خلال عام 2016 .

 

 

وفي قلب القارة العجوز اعترفت وزارة الداخلية الألمانية بأنها سجلت 642 حالة اعتداء على لاجئين في البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري , منها 318 حالة اعتداء على اللاجئين خلال الربع الأول من 2017 ، في حين سجل الربع الثاني 324 حالة ، وقد أصيب جراء الاعتداءات 123 لاجئًا بجروح، فيما تعرض آخرون لشتائم .

 

 

أما مخيمات اللاجئين فقد تعرضت حسب الداخلية الألمانية إلى 153 هجومًا، خلال الفترة من يناير حتى يونيو من العام الجاري , ناهيك عن تعرض اللاجئين خلال الفترة ذاتها من العام الماضي لأكثر من 1500 اعتداء" كما قالت النائب عن حزب اليسار الألماني (اشتراكي ديموقراطي) أوللا جيلبكي .....الخ .

 

 

وفي الوقت الذي انتفضت فيه أوروبا واستشاطت غضبا وأطلق ساستها التصريحات التي تتهم فيه "دين الله الإسلام" - فضلا عن المسلمين – "بالإرهاب" بعد هجوم باريس ونيس.....لم تكن ردود الفعل الأوروبية عشر معشار ذلك حين تعرض المسلمون وهم يؤدون صلاة العشاء داخل مسجد بمدينة كيبيك الكندية وأدى إلى استشهاد 6 أشخاص وإصابة آخرين أو حين دهس بريطاني المصلين لدى خروجهم من صلاة التراويح في مسجد "فنزبري بارك" أو المسجد الكبير في شمال لندن !!

 

 

يقتصر الأمر في أوروبا عادة حين يكون المسلمون هم ضحية "الإرهاب" على بعض التصريحات الدبلوماسية أو ربما بعض الإجراءات التي لا تعالج المشكلة والأزمة من جذورها , بل تكتفي بالمسكنات وإبر التخدير فحسب .

 

 

لقد باتت ازدواجية الغرب - وكثير من الدول المعادية لدين الله الإسلام - في تعامله مع ما يسمى "محاربة الإرهاب" مكشوفا ومفضوحا لدرجة تكاد تقترب من الإعلان الصريح بأنها تحارب الإسلام علنا وأتباعه في جميع أرجاء العالم تحت هذا الشعار المبتدع .

 

 

ومن هنا يمكن فهم تحذير الكثير من المثقفين ورموز الجاليات المسلمة في بلاد المهجر من هذه الموجة العاتية ضد دين الله الإسلام باسم محاربة الإرهاب , حيث أوضح حسين علي الصيفي الناشط في مجالات الدعوة والإعلام و مدير مكتب هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنة في البرازيل أن تصريحات المسؤولين التي تحرّض على الإسلام والمسلمين في الفترة الأخيرة بحجة محاربة الإرهاب قد أرهقتنا , مضيفا أن الجالية الإسلامية أصبحت مستهدفة تحت هذا العنوان الكبير , منوها بوجود حملة عشواء ضد المسلمين في البرازيل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحتى من خلال الإعلام .

 

 

من جهته أكد سمير فالح - رئيس التجمع الإسلامي في ألمانيا وأمين عام اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا - أن موضوع الإرهاب اليوم بات يرسم السياسات ويبني المواقف ويحدد التحالفات مؤكدا أن أصابع الاتهام سرعان ما توجه إلى المسلمين رغم انهم أكثر ضحاياه حسب الإحصائيات .

 

 

وعن انعكاسات هذا الموضوع على مسلمي أوروبا أكد فالح أنه منذ انطلقت هذه «الحرب على الإرهاب» وما صاحبها من تسويق إعلامي لنظرة أحادية تضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام، وأوضاع الحريات عامة وللمسلمين خاصة في تردٍّ مستمر، فكم من القوانين والتشريعات وجدت طريقها إلى الاعتماد والمصادقة، ولم تكن هذه الحرب في ذلك إلا مسرعة في هذه الخطوات ومبرّرة لها، كما أن الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات قد زادت بشكل واضح ومثير للانتباه.

 

 

ومن تايلاند جنوب شرق آسيا أكد د. غزالي بن مد - عميد كلية الدراسات الإسلامية والقانون جامعة فطاني جنوب تايلاند – أن الدول العظمى تفكر بعقلية المستعمر، وتستخدم مصطلح محاربة الإرهاب لوصف الشعوب التي تقاوم الاستعمار، كما أنها تفعل عكس هذا المبدأ بدعم حركات إرهابية بالدول العربية والإسلامية لزعزعة استقرارها؛ ومن ثم السيطرة عليها عبر التدخل في شؤونها بزعم محاربة الإرهاب .

 

 

ليس عسيرا بمنطق العقل وميزان العدالة والمساواة عدم التفريق بين إرهاب وإرهاب والتعامل بردود فعل واحدة ودون ازدواجية تجاه العنصرية وخطاب الكراهية والعنف و.....إلا أن عداء كثير من الدول لدين الله الإسلام لا يخضع لتلك الموازين والأسس , بل يحتكم لشريعة الغاب و عنجهية القوة و وساوس الحقد الدفين على دين الله الحق .