المشهد السوري ...إلى أين ؟؟
29 شوال 1438
د. زياد الشامي

كثيرة هي التطورات المتسارعة التي تطرأ على المشهد السوري وثورة أهل الشام المباركة التي مر على انطلاقتها أكثر من ستة أعوام ..... تطرح الكثير من التساؤلات عن المآل الذي ستفضي إليه تلك الأحداث الجسام والنهاية التي ستعقب تلك المتغيرات المتعاقبة في أرض الشام .

 

 

آخر تطورات المشهد السوري هو الإعلان عن اتفاق ما يسمى "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية بريف دمشق , والتي أعلن عنها رئيس الهيئة السياسية لجيش الإسلام محمد علوش أمس في تصريحات خصها لوكالة سبوتنيك حيث قال : "نعم الاتفاقية تمت والآن دخلت حيز التنفيذ، وتؤدي إن شاء الله إلى فك الحصار عن الغوطة وإدخال كافة المواد الإنسانية والمحروقات إلى الغوطة".

 

 

وعن بعض تفاصيل وبنود الاتفاقية الجديدة قال علوش : "ستكون هناك نقاط للفصل بيننا وبين النظام، وهذا يعتبر جزءا من الحل السياسي أو تمهيدا للحل السياسي وفق القرارات الدولية".

 

 

الاتفاقية التي أكد "علوش" توقيعها ودخولها حيز التنفيذ كانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت عنها في وقت سابق من يوم أمس مشيرة إلى أن اتفاق الغوطة الشرقية جاء نتاجا للمفاوضات التي أجريت في القاهرة مؤخرا بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية والمعارضة السورية "المعتدلة" .

 

 

من بنود هذا الاتفاق - بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية - تسيير أول قافلة إنسانية إلى الغوطة الشرقية، وإجلاء أول دفعة من المصابين والجرحى اعتباراً من يوم أمس السبت ....والذي لا يبدو أنه قد حصل منه شيء حتى الآن .

 

 

الناطق الرسمي لفصيل "فيلق الرحمن" التابع للجيش السوري الحر "وائل علوان"  استبعد أن يلتزم نظام الأسد وإيران بالاتفاق الجديد، مذكراً باتفاقات دولية سابقة شملت الغوطة، ولم تلتزم بها ميليشيات إيران ....وهو ما حصل بالفعل بعد ساعات فقط من الإعلان عن الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ .

 

 

فقد توالت الأنباء عن قيام قوات الأسد بخرق الهدنة والتصعيد من حملتها العسكرية وعمليات القصف على مناطق في شرق العاصمة دمشق والغوطة الشرقية بعد ساعات من إعلان ما يسمى "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة - التابعة للأسد - عن وقف الأعمال القتالية في عدد من مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق" حسب بيان صادر عنها نقله تلفزيون الطاغية الرسمي .

 

 

وأفادت مصادر ميدانية أن قوات الأسد استهدفت أطراف حي جوبر بـ4 صواريخ أرض - أرض، بالتزامن مع قصف عنيف بقذائف الهاون الثقيلة، يستهدف الأبنية السكنية في  بلدة عين ترما بالغوطة الشرقية , مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين ثوار فيلق الرحمن وقوات الأسد، عقب محاولة الأخيرة اقتحام بلدة عين ترما.

 

 

من جهة أخرى سقطت 6 قذائف أطلقتها قوات الأسد على مناطق في أطراف بلدة بيت نايم، الواقعة في منطقة المرج بغوطة دمشق الشرقية، ما تسبب في أضرار مادية، كما سقطت 3 قذائف على مناطق في مدينة دوما، ما تسبَّب بوقوع 5 جرحى، فيما استهدفت قذيفة أخرى أطراف مدينة حرستا , كما استهدف طيران النظام الحربي مدينة دوما وبلدتي الريحان و عين ترما بريف دمشق الشرقي .

 

 

ويأتي الإعلان عن اتفاق هدنة الغوطة الشرقية بعد نحو أسبوعين من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية "ويشمل درعا والقنيطرة" حيز التنفيذ والذي تم الإعلان عنه بعد اجتماع عُقد في مدينة هامبورغ الألمانية بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة "مجموعة العشرين" .

 

 

ليست الوقائع الحالية والسوابق الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى هي وحدها التي تؤكد عدم جدية النظام النصيري وداعميه الصفويين والروس في إيجاد حل سلمي للحرب الطاحنة التي شنوها على الشعب السوري لمجرد عزمه على استرداد حقوقه المشروعه....بل طبيعة الصراع ومضمونه الطائفي الصفري الوجودي الذي انتهجه النظام النصيري - ومن ورائه الصفويين - ضد المسلمين من أهل السنة في بلاد الشام ....جعل من تصديق وعودهم أو الركون إلى عهودهم ضربا من السذاجة و ربما الحماقة .

 

 

حدث آخر هو من الأهمية والخطورة بمكان طرأ على المشهد السوري وثورة أهل الشام منذ أيام , ألا وهو الأنباء الواردة من محافظة إدلب المحررة , حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام – فتح الشام وجبهة النصرة سابقا - وامتدت إلى مناطق مختلفة بمحافظة إدلب، وسط حملات قصف ومداهمة وعمليات سيطرة متبادلة بين الفصيلين المتقاتلين، خلفت عشرات القتلى من الطرفين ، إلى جانب اعتقال العشرات في صفوفهما ، وارتقاء عدد من المدنيين بينهم أطفال .

 

 

لا يبدو أن الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار والاقتتال بين أكبر فصيلين عسكريين في إدلب والشمال السوري عموما حسب ما أعلنت عنه وكالة "إباء" التابعة لهيئة تحرير الشام وبيان صادر عن حركة أحرار الشام قد صمد طويلا , فقد عادت الأنباء لتشير إلى عودة الاشتباكات والاقتتال من جديد .

 

 

لم يكن المدنيون من أهل إدلب وحدهم من عبّر عن غضبه واستهجانه من هذا الاقتتال الذي لا يخدم إلا طاغية الشام ولا يستفيد منه إلا أعداء الثورة السورية , بل أبدت الكثير من الشخصيات السورية الثورية تخوفها من هذا الاقتتال وألقت باللائمة على البادئ فيه والرافض لمبادرات وقفه فورا والجلوس للتفاهم والحوار , محذرين من مصير مشابه لما حدث بالموصل من دمار وخراب وتهجير .

 

 

وكانت قاعدة حميميم" الروسية قد هددت في وقت سابق بتحويل مدينة إدلب إلى "موصل ثانية" في حال تمكنت هيئة "تحرير الشام" من السيطرة على كامل إدلب , حيث أشارت القناة المركزية للقاعدة العسكرية في صفحتها على "فيسبوك" نقلاً عن ممثل حميميم في سوريا "أليكسندر إيفانوف" قوله : "لن يكون مصير مدينة إدلب السورية مختلفاً عما حصل في مدينة الموصل في العراق في حال سيطرت النصرة – هيئة تحرير الشام - على كامل المنطقة".

 

 

الثابت الأهم في المشهد السوري هو أن تفرق فصائل الثورة السورية لسبب أو لآخر هو العامل الأبرز الذي يعتمد عليه أعداؤها منذ سنوات لإجهاضها ومحاولة إطفاء جذوتها , وما لم تجد تلك الفصائل وسيلة وطريقة للعمل المشترك أوالتنسيق على الأقل للوصول إلى الهدف المشترك الذي يجمعها في المرحلة الحالية ألا وهو إسقاط النظام النصيري .....فإن التبعات والتداعيات ستكون ثقيلة على الجميع .