هل سيستفيد "الروهينغيا" من تدويل قضيتهم ؟!
26 شوال 1438
د. زياد الشامي

بداية لا بد من التنويه بالفترة الزمنية الطويلة التي تعامى فيها المجتمع الدولي عموما عن محنة ومأساة مسلمي الروهينغيا , والتزم خلالها الإعلام العالمي - والغربي على وجه الخصوص – بسياسة الصمت والتجاهل المشين تجاه حقائق الاضطهاد والتنكيل الممنهج ضد أكثر من مليون روهينغي يعيشون على أرضهم التاريخية "أراكان" في ميانمار .

 

 

فمن المعروف أن محنة أقلية "الروهينغيا" لم تكن بدايتها عام 2012م كما تحاول بعض وسائل الإعلام أن تروج له , بل تعود جذور محنتهم إلى عام 1784م الذي تم فيه احتلال مملكة "أراكان" المسلمة - التي حكمها 48 ملكا مسلما لمدة 4 قرون تقريبا - من قبل ملك بورما حينها "بودابايا" الذي ضمها إليه , لتبدأ رحلة محنة المسلمين الذين تمت معاملتهم كالغرباء المهاجرين غير النظاميين منذ ذلك الحين .

 

 

ويمكن اعتبار عام 1982م محطة مفصلية في محنة مسلمي الروهينغيا , حيث أصدرت حكومة ميانمار في ذلك التاريخ قانونا سمته قانون المواطنة وتم بموجبه سحب بطاقة المواطنة من آلالاف الناس ومنهم عرقية الروهينغيا .

 

 

أما عام 2012م فهو في الحقيقة مجرد استمرار للمحنة التي تجددت فصولها مع اندلاع أعمال عنف ضد مسلمي الروهينغيا قتل فيها المئات منهم , كما تم إحراق قرى للمسلمين بأكملها , وتهجير الآلاف منهم إلى دول الجوار .

 

 

بعد هذه العقود الطويلة من محنة الروهينغيا والسنوات العجاف الأخيرة من الاضطهاد البوذي الحكومي الممنهج , خرجت الأمم المتحدة عن صمتها المشين واعترفت بأن أقلية الروهينغيا هم الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم .

 

 

بيانات كثيرة صدرت عن مؤسسات وهيئات تابعة للأمم المتحدة توثق جرائم وانتهاكات حكومة ميانمار بحق أقلية الروهينغيا , وجلسات أخرى عقدت في مجلس حقوق الإنسان لإرسال بعثة دولية إلى أراكان للتحقيق بحقيقة انتهاكات حكومة ميانمار ضد مسلمي الروهينغيا .....إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن بسبب رفض ميانمار مجرد استقبال تلك البعثة .

 

 

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية اكتفت بممارسة نفاقها المعهود في كل ما يتعلق بحقوق المسلمين المستهدفين في العالم , ففي الوقت الذي أظهرت دعمها لإرسال بعثة التحقيق الدولية إلى أراكان , لم تحرك ساكنا تجاه صلف وتعنت ميانمار حيال استقبال البعثة أو القبول بالتحقيق .

 

 

يكفي الاستشهاد بما صرح به المستشار الأمني لزعيمة ميانمار "أونغ سان سوتشي" لدبلوماسيين يوم الثلاثاء الماضي كدليل على ذلك الصلف والتعنت البورمي إزاء بعثة التحقيق الأممية حيث قال : "إن بعثة تابعة للأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم تعذيب واغتصاب وقتل مسلمي الروهنغيا المسلمين لن تؤدي إلا إلى "تفاقم" التوتر في ولاية أراكان بغرب البلاد" .

 

 

منتهى ما سمحت به حكومة ميانمار تجاه المطالبات الخجولة باستقبال لجنة تحقيق دولية هو : السماح لبعض الصحفيين الدوليين بزيارة ولاية "أراكان" ضمن شروطها ومرافقة رجال أمنها , وهو ما دفع مسلمي الروهينغيا لاتهام حكومة ميانمار بتضليل وفد الصحفيين , وتأكيدهم على أن الصحفيين الدوليين لم يذهبوا إلا إلى المواقع التي وضعتها الحكومة في خطة السير .

 

 

وبعيدا عن تزامن انفجار لغم أرضي مع وصول الصحفيين منطقة زراعية بشمال ولاية أراكان والشكوك حول قيام قيام حكومة ميانمار بزراعة هذا اللغم لمنع الصحفيين من التقدم إلى داخل القرى التي تعرضت بشكل كبير للحرق والقتل...... فإن عدم سماح الحكومة للناس بمقابلة الصحفيين بمفردهم والإصرار على مرافقتهم في كل مكان , ناهيك عن محاولة الحكومة اعتقال بعض الأشخاص الذين تحدثوا للصحفيين بعد مغادرتهم ....يؤكد مدى محاولة ميانمار تضليل الصحفيين وتفريغ زيارتهم من محتواها .

 

 

ثم إن تعرض مسلمي الروهينغيا حتى الآن إلى الاضطهاد والتنكيل رغم التدخل الأممي والدولي المزعوم يؤكد أن تدويل قضية الروهينغيا لا يعدو أن يكون مجرد استعراض إعلامي وتصريحات دبلوماسية وتحركات بهلوانية .

 

 

فها هي سلطات ميانمار تجبر المسلمين الروهينغيا في مدينة أكياب عاصمة ولاية أراكان على هدم مسجد بعد أن هددت بإنزال عقوبات صارمة - أقلها السجن - في حال لم يستجيبوا لقرار الهدم  ... والذريعة اعتبار حكومة ميانمار ما قام به أهالي المنطقة من ترميم المسجد بعد أن تعرض لأضرار كبيرة جراء موجة أمطار ورياح شديدة تعرضت لها المدينة الشهر الماضي بمثابة بناء مسجد جديد , وهو ما ترفضه الحكومة وتمنع المسلمين من فعله في كل أرجاء ولاية أراكان .

 

 

لا يبدو أن مسلمي الروهينغيا سيستفيدون من تدويل قضيتهم مع استمرار هيمنة الدول الغربية – غير العابئة بقضايا المسلمين بل والمتواطئة ضدهم - على هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة , ومع ضعف تأثير وفاعلية الدول العربية والإسلامية في إجبار حكومة ميانمار على رفع الظلم الواقع على إخوة لهم في العقيدة والدين .