ماذا يعني إغلاق الأقصى ومنع صلاة الجمعة فيه؟!
20 شوال 1438
د. زياد الشامي

بداية لا بد من التأكيد على أن قرار إغلاق المسجد الأقصى بالكامل بأمر من رئيس حكومة الاحتلال "نتنياهو" ومنع المسلمين من أداء صلاة الجمعة فيه لأول مرة منذ حولي خمسة عقود ..... لم يكن وليد ردة فعل الصهاينة على حادثة الاشتباك التي حصلت صباح اليوم الجمعة في صحن قبة الصخرة كما قد يظن البعض , بل هو قرار قديم قدم احتلال الصهاينة للقدس ومعالم المدينة المقدسة وفي مقدمتها الأقصى المبارك .

 

 

سلوك وممارسات الاحتلال الصهيوني في القدس المحتلة والأقصى الشريف منذ سنين تؤكد ذلك, فعمليات تهويد مدينة القدس عبر تغيير أسماء الأماكن والشوارع والمعالم الإسلامية , والعبث المتعمد بمحيط الأقصى الشريف والإصرار على مواصلة الحفر تحته , وموجة الاقتحامات المتكررة لباحات الأقصى بمنهجية وانتظام .......تؤكد أن الاحتلال يريد أن يفرض هيمنته على المسجد الأقصى ومعالمه الإسلامية بشتى الوسائل والسبل .

 

 

وفي ظل انشغال العالم العربي والإسلامي بملفاته الداخلية الشائكة والمعقدة , يسعى المحتل ومنذ زمن للإسراع بتنفيذ مآربه وأطماعه في القدس والأقصى , واضعا نصب عينيه احتمال مواجهة بعض ردود الأفعال الداخلية والخارجية عن خطواته التصعيدية , محاولا الاستفادة من تلك الردود بمزيد من التصعيد والتسريع في عملية تهويد القدس والهيمنة على الأقصى .

 

 

ضمن هذا السياق يمكن قراءة قرار الاحتلال الصهيوني إغلاق المسجد الأقصى بالكامل ومنع صلاة الجمعة فيه إثر اشتباك مسلح جرى صباح اليوم بين شرطة الاحتلال وشبان فلسطينيين أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، ومقتل شرطيين "إسرائيليين" وجرح ثالث .

 

 

الخطوة تعتبر بلا ريب سابقة خطيرة وتنذر بعواقب وخيمة إن لم تتم مواجهتها عربيا وإسلاميا بالشكل الذي ينبغي , فصلاة الجمعة لم تتوقف في المسجد الأقصى منذ عام 1969م ؛ على أثر حرق المسجد الأقصى آنذاك , ومحاولة تكرار منع المسلمين من أداء الصلاة فيه بذريعة أو بأخرى يعتبر تمهيدا لخطوات أخرى أشد خطرا على المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين في فلسطين .

 

 

يأتي حدث إغلاق الأقصى ومنع المسلمين من أداء صلاة الجمعة فيه بالتزامن مع الأحداث الجسام التي تمر بالأمة وتعصف بعواصمها التاريخية ومعالمها الحضارية , فبالأمس القريب كانت مشاهد الدمار والخراب الذي حل بمدينة الموصل ومئذنته الحدباء ومسجدها النوري الزنكي صادمة حتى للمنظمة الأممية التي وصفت ما حل بالمدينة بأنه فاق كل التوقعات , وقبلها كانت مشاهد دمار مدينة حلب وحمص وتهجير أهلها أشد إيلاما ......إلا أن ذلك لا ينبغي أن يقلل من خطورة حدث اليوم او يهون من جسامته وأثره على أهم مقدسات المسلمين بعد الحرمين الشريفين .

 

 

كثير من الشخصيات المعنية بالمسجد الأقصى حذروا من خطورة الخطوة الصهيونية اليوم , فقد أوضح مدير المسجد الأقصى "عمر الكسواني" أن "هذا الإجراء هو الأخطر والأكبر منذ سنوات ضد المسجد الأقصى ، ويعني فعليا أن الاحتلال هو من سيتولّى المسؤولية بالكامل عليه خلال الأيام المقبلة، وسيمنع إقامة الصلاة فيه، وهذا تعدٍّ وتصعيد لا يمكن القبول به".

 

 

الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك فسر ما تعنيه سابقة منع الاحتلال صلاة الجمعة بالأقصى وإغلاقه بوجه المسلمين بشكل كامل , حيث اعتبر ذلك مخططا جديدا تحاول سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" فرضه على المسجد الأقصى والمدينة المقدسة، بعد عملية القدس، مؤكداً أن الاحتلال سيحاول استغلال التوتّر السائد لفرض سياسة تصعيدية جديدة ضد المدينة والمسجد الأقصى.

 

 

واعتبر الشيخ صبري أن هذا الإجراء خطير وغير مسبوق، واعتداء مرفوض على حرية العبادة وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة، وجزء من المخططات "المبيّتة" لدى الاحتلال لفرض سياسته التصعيدية ضد المسجد المبارك؛ لوضع يده عليه بشكل كامل.

 

 

وفي مواجهة هذا التصعيد الصهيوني وجّه الشيخ صبري نداء عاجلا لكافة الفلسطينيين والمقدسيين بالتحرّك العاجل نحو المسجد الأقصى والرباط فيه، والصلاة داخل باحاته، أو على الحواجز التي ينصبها الاحتلال، رغم القرار الذي صدر بمنع الصلاة بالمسجد الأقصى.

 

 

كما دعا لتحرّك سياسي ودبلوماسي فلسطيني وعربي وإسلامي عاجل، لوقف التصعيد "الإسرائيلي" ضد المسجد الأقصى المبارك، الذي تجاوز كل القوانين والأعراف الدولية، وينتهك حرمة المقدسات والعبادات.

 

 

نداء الواجب الديني ومكانة الأقصى الشريف في نفوس المسلمين - بالإضافة لنداء الشيخ صبري وغيره -....هو ما دفع مئات الفلسطينيين لأداء صلاة الجمعة في شوارع مدينة القدس المحتلة ومحيط المسجد الأقصى ؛ تعبيرا عن رفضهم وتحديهم لقرار منع سلطات الاحتلال الصلاة داخل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

 

 

وفي ظل تصاعد الدعوات الصهيونية لإغلاق الأقصى بشكل كامل ونهائي، والسيطرة عليه؛ كردٍّ أولي مزعوم على مقتل الشرطيين "الإسرائيليين" تبقى مواجهة ذلك برسم تحرك الدول العربية والإسلامية التي ينبغي أن تسارع لوقف الصلف والتصعيد الصهوني غير المسبوق قبل فوات الأوان .