التداوي بالغرغرة وأثره على الصوم
29 شعبان 1438
أسامة بن أحمد الخلاوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد(*):

التغرغر والغرغرة أن يجعل المشروب في الفم ويردد إلى أصل الحلق ولا يُبلع(1)، والغَرُور ما يُتغرغر به من الأدوية مثل قولهم لَعُوق ولَدُود وسَعُوط وغرغر فلانٌ بالدواء وتغرغر غرغرة وتَغَرغُراً(2).

 

والغرغرة هي طريقة شائعة لتطهير الحلق خاصة لو كان ملتهباً، وتتم بأن يميل المريض رأسه إلى الخلف ويخرج نَفَساً من رئتيه يؤدي إلى تحريك سائل ما وضعه في أعلى حلقه فيتموج في منطقة الفم والحلق لمعالجة الالتهاب.

 

هذا السائل قد يكون ماء، وقد يكون دواء موصوفاً من قِبل الطبيب، وقد يكون مجرد محلول ملحي يصنع بمزج مقادير متفاوتة من ملح الطعام مع ماء، وهذا الأخير له فوائد ملحوظة في معالجة التهاب الحلق، إذ الملح كمجفف طبيعي يمتص الماء من الالتهاب عن طريق التبادل الأوزموسي(3)، ويقتل البكتريا المسببة للالتهاب(4).

 

وفي كتب الفقهاء يُفهم أن الغرغرة هي المبالغة في المضمضة، وقد نص الحنفية على ذلك(5)، أما الشافعية فالمبالغة في المضمضة تكون بأن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك(6)، والمالكية بأن يبلغ الماء أقاصي الحلق(6)، أما الحنابلة فعلى أن المبالغة في المضمضة هي إدارة الماء في أعماق الفم وأقاصيه وأشداقه(8).

 

أثر الغرغرة في الصوم:

اختلف الفقهاء في المبالغة في المضمضة للصائم إن وصل شيء من الغَرور لجوفه:

فالمالكية على أن ذلك مفطر مطلقاً سواء كان متعمداً أو غير متعمد، مبالغاً أو غير مبالغ(9).

 

والحنفية والشافعية ووجه عند الحنابلة على أنه لو كان ذاكراً وبالغ فيه فسد صومه لأنه فعل مكروهاً تعرض به إلى إيصال الماء إلى حلقه وهو عالم بعدم مشروعية ذلك، ولحديث لقيط بن صبرة: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"(10)(11).

 

أما المذهب عند الحنابلة فإنه لا يفطر ولو كان مبالغاً ولو كان ذاكراً لأنه واصل إلى جوفه بغير اختياره(12).

 

والراجح أن الصائم لو تداوى بالغرغرة فلا يفطر، وحتى لو سبق الماء إلى جوفه فإنه لا يفطر بذلك لأنه غير قاصد له إلا أنه ينبغي ألا يفعله إلا إذا كان محتاجاً له إذ إنه يقرب أن يدخل الحلق منه شيء وحينئذ فإنه يدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن مبالغة الصائم في الاستنشاق لئلا يدخل الماء حلقه، بل هو أولى وإلى عدم التفطير بالغرغرة ذهب مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة(13).

 

__________________________

(*) بحث مستل من كتاب النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي أثناء الصيام للمؤلف حفظه الله.
(1)    النهاية في غريب الحديث، مادة غرغر، ص668، لسان العرب، مادة غرر، 5/20.
(2)    القاموس المحيط، مادة غرغرة، ص578، تاج العروس، مادة غرر، 7/299.
(3)    الخاصية الأوزموسية هي عملية انتقال جزيئات الماء من منطقة ذات تركيز عال إلى أخرى ذات تركيز منخفض عبر الأغشية الخلوية المنفذة للماء، انظر: موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت:www.wikipedia.org .
(4)    موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت www.wikipedia.org.
(5)    حاشية الشلبي على تبيين الحقائق، كتاب الطهارة 1/36، وانظر فتح باب العناية، كتاب الطهارة، باب سنن الوضوء 1/50، رد المحتار، كتاب الطهارة، باب أرطان الوضوء 1/237.
(6)    تحفة المحتاج، كتاب أحكام الطهارة، باب الوضوء 1/81، وانظر مغني المحتاج، كتاب الطهارة، باب الوضوء 1/188، روضة الطالبين، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء 1/169.
(7)    شرح الخرشي، كتاب الطهارة، فصل فرائض الوضوء 1/249، وانظر الشرح الصغير، كتاب الطهارة، فصل طهارة الحدث 1/84.
(8)    المغني، كتاب الطهارة 1/147، وانظر المبدع، كتاب الطهارة، باب السواك وسنن الوضوء 1/88.
(9)    مواهب الجليل، كتاب الصيام 3/350، شرح الخرشي، كتاب الصيام 3/53، جواهر الإكليل، باب في الصيام 1/210، الشرح الصغير، كتاب الطهارة 1/84.
(10)     رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم برقم 788، وأبو داود في الطهارة باب في الاستنثار برقم 142..
(11)    بدائع الصنائع، كتاب الصوم، فصل في ركن الصيام 2/145، تحفة المحتاج، كتاب الصيام، فصل في بيان المفطرات 1/512، التهذيب، كتاب الصيام، فصل فيما يبطل الصوم 3/165، العزيز، كتاب الصيام 3/199، الإنصاف، كتاب الصوم، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 7/434، المبدع، كتاب الصيام، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 3/27.
(12)    كشاف القناع، كتاب الصيام، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 3/981، شرح المنتهى، كتاب الصيام، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 2/365، الإنصاف، كتاب الصوم، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 7/434.
(13)     قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص214.