بين المشقة والثواب .. عناء الأبناء عند كبر الآباء ..
14 شعبان 1438
أميمة الجابر

 

لا شك أن كبار السن من الآباء والأمهات يحتاجون للرعاية و العطف و البر و مهما بذل الأبناء لموافاتهم حقهم لا يستطيعون أداءهم حقهم علي الوجه الأكمل .

 

 

 لكن لابد لنا أن نكون واقعيين في رؤيتنا للظروف من حولنا حتى نستطيع الوصول لرجائنا الصائب من بر الوالدين على الوجه الأمثل الذي نريد .

 

 

فهناك سلبيات تبدو من الآباء والأمهات عند كبر السن تعود بآثارها السلبي على الأبناء البارين لهم , يجب الانتباه لها جيدا ومحاولة تقويم الخطأ .. ودعني اضرب لك أمثلة واقعية :

 

 

  • التفريق في الحب بين الأولاد, فقد يقدم أحد الابناء الرعاية والعطاء ، لكن عند أول خطأ منه أو غياب يجد منهم التأنيب و التوبيخ والغضب الشديد , وعلي العكس فقد يجد نظرتهم للابن الآخر البعيد عنهم أقرب منه إليهم !

 

 

  • مع كبر السن وكثرة الأمراض , تجد البعض من كبار السن لا يستطيع الصبر على مرضه , فلا يتقبله بالرضا و لكن يكثر من الآهات و الشكوى حتي يصبح أي لقاء معه عبارة عن شكوى صباحا كان أو مساء  , فيظل البيت دائما مثوى للآلام فقط ، ما ينفر الابناء نفسيا ويثقل مهمتهم .

 

 

  • كذلك اتهامهم دائما لأبنائهم بالتقصير فلا يجد الابن أي كلمة حسنة ترفع من روحه المعنوية لمواصلة البر مهما قدموا مالا أو خدمات أو أي نوع من أنواع البر  , فيشعر الأبناء بالانكسار وضياع الجهد بدلا من شعورهم بفرحة البر .

 

 

  •  و من الآباء من يضيق علي أبنائه في التدخل في شؤونه ، ويوجب عليه تعريفه بصغير الأمور قبل كبيرها ، وقد يكون في ذلك مشقة كبيرة على الابناء أو حتى ضرر على الآباء أنفسهم  .

 

 

  •  و من ذلك تركيز المسؤوليات و الأعباء علي الابن الأكبر مع غض الطرف عن باقي الأبناء , ينسون أن الابن الكبير أيضا زادت مسؤولياته و كبر أولاده وهو أيضا يريد من يسانده و يقف بجانبه !

 

 

  •  بعض الآباء المسنين رغم رغد العيش و سعة الرزق لديهم ، يقومون باستغلال أبنائهم ماديا بطرق غير مباشرة, فبعض الأبناء قد يفرح  بذلك , و بعضهم قد يتأذى من هذا الصنيع

 

 

  • بوجه مغاير قد يظهر من بعض الآباء كبار السن حرص علي إنفاق كل ما يملكون و ما يدخرون بشكل غير حكيم ، بإنفاق في الأشياء الهامة أو غير هامة حتي لا يتركون لأبنائهم شيئا ، ناسين حديث النبي صلي الله عليه وسلم في ترك الأبناء أغنياء أفضل من تركهم فقراء يسألون الناس .

 

 

  •  وبعضهم قد يقع في مشكلة كبيرة لا تضره في الدنيا فقط بل تضره بآخرته , وهي تفضيل أحد الأبناء عن الآخر في العطاء , فينشرون بين الأبناء في آخر حياتهم البغض و الضغينة و الكره و الخصام , بدلا من أن يتركوا أولادهم متحابين متقاربين .

 

 

  •  و قد يعاني الأبناء من فرط حساسية الأبوين و سرعة غضبهم علي أقل شيء  , غير شعورهم أنهم أصبحوا غير مرغوب فيهم أو شعورهم أن أبناءهم ينفضون عنهم .

 

 

الأبناء منهم من يستطيع تحمل أوضاع هذا الكبر والصمود بكل ما يستطيعون لبر الكبيرين , ويظلون يقدمون ويبذلون بكل حب و سعادة وفرح وهؤلاء ولاشك الفائزون , لكن منهم ايضا من يضيق صدره من صعوبة ارضاء ابويه وكثرة غضبهم وضجرهم وكثرة نقدهم واتهامهم بالتقصير وهؤلاء يجدون أنفسهم في مشكلة شرعية واجتماعية ونفسية .

 

 

والواقع أن خطأ هؤلاء الأبناء المقصرين في بر ابويهم ليس منهم وحدهم ولكنهم مشتركون مع أبويهم في هذا الخطأ , فأبواهم لم يحملاهم المسؤولية قبل ذلك ولم يعوداهم على الجلد والصبر , فقد حصدوا ما قد زرعوا .

 

 

ومنهم من يأخذ زوجته وأولاده ليعيش بعيدا عنهم , بعيدا عن كل هذه المنغصات , ويأتي لزيارتهم كالضيف العزيز ، ويحرص في زيارته على الهدية والكلام الجميل وهكذا .. ثم يتركهم ويسافر !

 

 

ومنهم من يهرب بحجة انشغاله في عمله , ويرسل زوجته و أولادة بدلا منهم لتفقد أحوالهم !

 

 

ومنهم من يريح نفسه وزوجته ويرسل أبويه لبيت المسنين , يبذل المال بديلا لاستقرار بيته !

 

 

وفي كل ذلك فالحساب أمام الله سبحانه وهو اعلم بالقلوب ، والصالحون يبذلون ويعطون ويصبرون ، والناس كل بحسب معدنه وخلقه وقيمه التي رباه عليها ابواه ..

 

 

إن الكبر حال شاق وسوء الكبر مشقة زائدة على الشخص ذاته وعلى ابنائه ، لهذا استعاذ صلى الله ليه وسلم صباح مساء من سوء الكبر  " اللهم إنا نعوذ بك من الكسل وسوء الكبر "

 

 

ولابد على الطرفين تفهم هذا الأمر , فالأبوان لابد أن يعدلا بين أبنائهم ويقدرا جهد كل منهم , ويقللا الشكوى على قدر المستطاع , ويتركا لكل منهم خصوصياته , ويتركوا لهم الحرية في حياتهم كما يريدون .

 

 

 وعلى الأبناء أن يعرفوا أن كبر الآباء أمر لابد منه وله مشكلاته , فيجب تهيئة النفس على هذا الأمر , والصبر مهما كانت عليه من أحوال , والبذل والإنفاق بكل ما يستطيعون , وعدم التأفف منهم ولا الضجر ولا الإعراض " فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما " .

 

 

وليعلم الابن أن الجنة تنتظر كل بار بأبويه , ومهما أنفق من رزق عليهم سيخلف الله له أكثر وأكثر , وإذا خطر بباله أن أبويه أصبحا ثقيلين عليه في حياته ، فليعلم أن ذلك نزغ من الشيطان الرجيم لعنه الله , فليغلق هذا الباب عنده .

 

 

فأبواه نعمة بين يديه والبركة من دعائهم هي العائد الذي يسنده حتى آخر عمره .. وثواب البر ليس له حدود ، كما أن الإهمال والتقصير الذي يرتكبه في حقهما عقوبته شديدة ، فضلا عن كونه سيعود إليه ، فكما تدين تدان !