مسلمون منسيون...كوسوفا
6 شعبان 1438
خالد مصطفى

في أواخر التسعينيات من القرن الميلادي الماضي تفجرت أزمة المسلمين في كوسوفا بعد أزمة إخوانهم في البوسنة والهرسك وعندئذ تذكر العالم الإسلامي وجود مسلمين في هذه البقعة بعد فترة طويلة من النسيان..

 

الأزمة بدأت في حينها عندما رفضت الحكومة الصربية المتطرفة رغبة السكان المسلمين الألبان في كوسوفا في الاستقلال وبدأت حرب إبادة ضد الشعب المسلم الأعزل أسفرت عن آلاف القتلى فضلا عن نزوح عدد كبير من السكان إلى الدول المجاورة..ورغم قصر مدة الأزمة مقارنة بما جرى في البوسنة إلا أنها تركت أثرا سيئا في نفوس ملايين الألبان الذين عانوا أشد المعاناة من العنصرية الصربية..الدول الكبرى حينها تدخلت سريعا حتى لا تتأجج مشاعر المسلمين في العالم وتخرج الأمور من بين يديها كما جرى في أزمة البوسنة..

 

لقد حطت قوات حلف الأطلسي على الأراضي الكوسوفية بعد ضربات جوية استهدفت القوات الصربية وكانت القوات الروسية الداعمة للصرب قد سبقت الحلف ودخلت إلى كوسوفا بحجة حماية السكان الصرب الباقين في كوسوفا..ودخلت كوسوفا في هذا الوقت في صراع دولي من أجل الحصول على استقلالها الذي حدث في وقت لاحق بشروط دولية صارمة...

 

عاش المسلمون الألبان بكوسوفا في ظل الاتحاد اليوغسلافي لعهود طويلة كإقليم مستقل ولكن تحت سيطرة الدولة التي كانت تتبنى النظام الاشتراكي وهو نظام صارم تجاه ممارسة الشعائر الدينية حيث يضعها تحت رقابة أمنية مشددة وإن كانت أخف من النظام الشيوعي, حيث كانت تصرح الدولة للمسلمين بالسفر للحج وتلقي التعليم الديني في الخارج وفي الداخل ضمن قيود وإشراف حكومي...

 

في هذه الفترة استطاع المسلمون الحفاظ على هويتهم إلى حد كبير ولكن الأجيال الجديدة كانت متأثرة بالعلمانية التي تسيطر على أركان الدولة وأصبحوا يميلون أكثر لشكل الحياة الأوروبية, ورويدا رويدا فقد أكثرهم الروابط الحقيقية مع جذورهم, لكن بعد الأزمة التي تعرضوا لها مع الصرب بدأت هذه الأجيال تفكر أكثر في جذورها القومية والدينية وانتشرت صحوة إسلامية قوية بين الشباب خصوصا مع دخول عدد كبير من المنظمات الإسلامية إلى البلاد من أجل تنفيذ عمليات إغاثة ونشر الدعوة حيث قوبلت بترحاب شديد...

 

في هذا الوقت الذي أعقب انتهاء الحرب شهدت كوسوفا نهضة إسلامية واضحة وانتشار لارتداء الحجاب وزيادة في ابتعاث الطلاب للدراسة الدينية في الخارج وتصاعد في بناء المساجد, وتنامي الرغبة في تعلم الأمور الدينية في الأوساط الشبابية التي كانت تتجنب ذلك في أوقات سابقة وتعتقد أن الحل هو الانتماء للمنظومة الغربية والانسلاخ من الهوية الإسلامية...

 

استمرت هذه الأوضاع لفترة محدودة حتى وقعت هجمات سبتمبر 2001  والتي أدت إلى تقييد عمل المنظمات الإسلامية وتشديد الرقابة على الدعوة الإسلامية في المساجد والمدارس كما استغل العلمانيون هذه الهجمات من أجل إعادة نظرية ارتباط كوسوفا بأوروبا ثقافيا وحضاريا من أجل التقدم والابتعاد عن العالم الإسلامي الذي يتم وصمه "بالوحشية والتخلف"...

 

نجحت كوسوفا في الحصول مؤخرا على الاستقلال ولكن تحت وصاية غربية قوية حيث لا يسمح لها حتى الآن بتكوين جيش وطني يدافع عنها, وهذه الوصاية تلقي بظلالها على الأوضاع الإسلامية في البلاد كما أن الدول العربية والإسلامية بعد هجمات سبتمبر تراجعت كثيرا عن دعم مسلمي كوسوفا الذين يشكلون أكثر من 95 في المائة من عدد السكان الذي يبلغ عددهم الإجمالي ما يقرب من 3 ملايين نسمة.