تركيا وأطماع الأكراد بسورية بعد الاستفتاء
3 شعبان 1438
د. زياد الشامي

كان واضحا موقف تركيا من مسألة الأطماع الكردية بشمال سورية منذ البداية , فقد أعلنت مرارا عن رفضها استغلال ما يحدث بسورية لتمرير إنشاء دويلة كردية على حدودها الجنوبية , وخاضت من أجل طرد "داعش" و وقف الأطماع الكردية معركة "درع الفرات" , وطالبت خلال العملية العسكرية بإخلاء منطقة غرب الفرات من أي تواجد لعناصر ما يسمى "وحدات الحماية الكردية"....

 

 

 

معوقات كثيرة وصعوبات جمة وتحديات كبيرة واجهت حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم خلال مواجهته للأطماع الكردية في الشمال السوري , وإذا كانت العوامل الخارجية ممثلة بــ : الدعم الأمريكي المعلن لوحدات الشعب الكردية التي تعتبر عصب ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية" باسم محاربة "داعش" , ناهيك عن الدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه هذه الوحدات من قبل دول إقليمية ودولية لا تريد الاستقرار السياسي والأمني واستمرار الازدهار الاقتصادي لتركيا ....كانت وما زالت سببا رئيسيا في تقييد حركة تركيا لمواجهة ما يُحاك على حدودها مع سورية من مخططات , إلا أن ذلك لا يعني التقليل من دور العامل الداخلي الذي كان سائدا قبل الاستفتاء , حيث كان واقع تداخل الصلاحيات الدستورية بين الرئيس ورئيس الحكومة والبرلمان يعتبر من أهم عوائق اتخاذ قرارات خارجية بمستوى التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن القومي التركي .

 

 

 

لقد كان واضحا أن الاهتمام بإيجاد حل للعامل الداخلي الذي يغل يد تركيا أثناء مواجهة الأطماع الكردية على حدود البلاد الجنوبية وخلال التصدي لتهديدات "داعش" هي الأولى والأهم , ومن هنا يمكن القول بأن مرحلة ما بعد إقرار التعديلات الدستورية في تركيا من حيث مواجهة المشروع الكردي سيكون مختلفا بالتأكيد عما قبلها .

 

 

 

بدا ذلك جليا في طريقة تعامل تركيا مع أطماع الأكراد على حدودها بعد أيام قليلة من إعلان نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، حيث وجه سلاح الجو التركي أكبر ضربة جوية من نوعها منذ أن بدأت أنقرة استهداف التنظيمات التي تعتبرها إرهابية في شمال سورية ، وخلفت نحو 28 قتيلاً في صفوف ميليشيا "وحدات الحماية" الكردية، عقب استهداف القيادة العامة للميليشيا في منطقة قرب مدينة المالكية / ديريك بريف الحسكة .

 

 

 

وكان اللافت في الضربة الجوية التركية هو المدة الزمنية القصيرة التي فصلت تنفيذ العملية عن إبلاغ كل من الولايات المتحدة الأمريكية وموسكو بها ، حيث نقلت مصادر إعلامية تركية بأن "البنتاغون" أكد تلقي اخطاراً من الجيش التركي ، بعزمه استهداف مواقع الميليشيا الكردية في سورية قبل 20 دقيقة فقط !!

 

 

 

لم تقتصر المؤشرات التي تؤكد تطور التعامل التركي مع الأطماع الكردية بعد الاستفتاء على الضربة الجوية , فقد دفعت أنقرة بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى بلدة "اقجاق قلعة" الحدودية، المقابلة لمدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، مؤلفة من أرتال تضم 8 شاحنات عسكرية محملة بالجنود، و13 دبابة محملة على (لودرات)، وعدد من العربات المجنزرة، ومدافع ثقيلة وبعض الراجمات الصاروخية، وذلك تحضيراً لعمل عسكري وشيك لطرد ميليشيا "الوحدات" الكردية من مدينة تل أبيض حسب مصادر عسكرية .

 

 

 

كما كشف قيادي عسكري بارز من قادة الفصائل السورية التي شاركت في عملية "درع الفرات" عن وجود تحضيرات عسكرية تركية وأخرى لفصائل الجيش السوري الحر تمهيدا لدخول مدينة تل أبيض وطرد "الوحدات" الكردية التي سيطرت على المدينة ذات الغالبية العربية منذ منتصف عام 2015، بحجة دحر تنظيم "الدولة" ، مؤكدا أن فصائل مسلحة سورية تسلمت خططا عسكرية متعددة الأهداف والمناطق، وكلها تصب في تحجيم نفوذ "الوحدات" الكردية في شمال سورية .

 

 

 

وأوضح القيادي أن أولى تلك الخطط دخول مدينة تل أبيض عبر عملية عسكرية تشارك فيها وحدات من الجيش التركي وفصائل الجيش السوري الحر , تليها خطة تشمل دخول مدينة عفرين وريفها أيضا ، ضمن عملية عسكرية تشارك فيها قوات البيشمركة السورية التابعة للمجلس الوطني الكردي المقرب من أنقرة ، ملمحا إلى وجود تفاهمات سياسية دولية وإقليمية حول العملية.

 

 

 

التوتر العسكري المتصاعد بين الجيش التركي ومليشيا الوحدات الكردية خلال الأيام الماضية يؤكد أيضا تطور المواجهة التركية للأطماع الكردية ، فقد كثف الجيش التركي من قصفه لمواقع الميليشيا الكردية في قرية "سوسك" ومنطقة "تل فندر" غربي مدينة تل أبيض ، مخلفاً نحو 10 قتلى في صفوف "قوات سوريا الديموقراطية"، وذلك بالتزامن مع تحليق المقاتلات التركية في سماء المنطقة، وهو ما دفع ميليشيا "الوحدات" الكردية بإخلاء جميع مواقعها ومقراتها في البلدات الحدودية مع تركيا، مع دعوات مساجد "تل أبيض" المدنيين بالخروج من المدينة حفاظاً على حياتهم حسبما ذكرت مصادر ميدانية .

 

 

 

ولم تقتصر المناوشات والاشتباكات العسكرية على منطقة تل أبيض ، بل امتدت إلى المناطق التي تسيطر عليها "وحدات الحماية" على طول الحدود التركية السورية، ولاسيما في القرى والبلدات التابعة لمدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، وبلدتي رأس العين والدرباسية في ريف الحسكة الشمالي .

 

 

 

وتاتي تصريحات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أرودغان الذي قال في آخر تصريحاته بعد الاستفتاء : إن بلاده لن تسمح أبداً بإنشاء دولة كردية شمالي سوريا، ولن تبقى مكتوفة الأيدي حيال من يحاولون إنشاءها ......لتدعم وجهة النظر التي ترى أن مواجهة تركيا للأطماع الكردية على حدودها مع سورية بعد الاستفتاء ستكون بلا شك مختلفة عما قبله , وإن كانت ستُقابل بلا شك بكثير من المعوقات الخارجية و التعقيدات التي تكتنف الملف السوري الذي تتداخل وتتشابك فيه مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين الكثر.