استفتاء محلي يهزم دُوَلاً أخرى!!
23 رجب 1438
منذر الأسعد

كل من تابع الاستفتاء الذي جرى في تركيا يوم الأحد، متابعة مهنية موضوعية، أصيب بالدهشة لأن حجم الاهتمام الإعلامي الخارجي يُشعر المرء أن الاستفتاء دولي ويتعلق بمصير البشرية!!

 

صحيح أن تركيا بلد مهم تاريخياً وجغرافياً، وبالمعايير الجغراسية "الجيوبولتيكية".
وصحيح كذلك أن رئيس الجمهورية الحالي في تركيا شخص مثير للجدل.

 

وصحيح أن للاستفتاء على 18 تعديلاً في الدستور التركي، انعكاسات جلية وخفية على أطماع دول غربية، انتهت قبل 100 سنة من دفن عدوها اللدود: (السلطنة العثمانية) التي كانوا يسمونها في طور ضعفها: الرجل المريض.. دفنوها بعد سلسلة مضنية من الحروب والمؤامرات والدسائس، وسلطوا على شعبها مجرماً حاقداً وقيدوه بشروط مُذِلة غير معلنة، بينما اصطنعوا له "بطولات" وهمية مدروسة لكي يتمكن من تأليه نفسه ويحكم تركيا حتى بعد مهلكه!!

كل ذلك صحيح لكنه لا يكفي لتفسير الاهتمام الهستيري بالاستفتاء التركي.

 

المكاييل المزدوجة

يستطيع الأوربيون تغليف عدائهم لأردوغان بشعارات الحرص على "الديموقراطية" وخاصة أن أخطر ما يؤرقهم من التعديلات الدستورية تحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي، وسعة صلاحيات رئيس الجمهورية كذلك!!

 

هي أغلفة زائفة لأن الغرب نفسه هو راعي الطغاة الانقلابيين منذ 1908 على السلطان عبد الحميد الثاني حتى اليوم.. وإذا كان عبد الحميد غير ديموقراطي فإن انقلاب 1949 في سوريا الذي كان فاتحة الانقلابات العسكرية الغربية في العالم العربي، قد وقع على نظام برلماني باعتراف الغرب والشرق..وما حاجتنا إلى شواهد الماضي مهما كان قريباً، ما دام الحاضر يدلي بالشهادة نفسها؛فالغرب المنافق الذي يخشى من صلاحيات أردوغان هو نفسه راعي المحاولة الانقلابية الفاشلة على أردوغان في يوليو/تموز المنصرم.

 

وهو نفسه الذي خذل السوريين المكلومين بسفاح لا نظير له، ثم أخذ يستعد لإعادة إنتاجه بعد أن قتل مليون سوري وفي سجونه عدد مماثل تقريباً، فضلاً عن تشريد 14 مليون سوري على أسس طائفية!!

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محظوظ بأعدائه مع أنهم كثر ويتحكمون في بلدان عدة، قليل منهم جاؤوا باختيار شعوبهم، وأكثرهم طغاة شرسون دمويون!!

لا شك أن وصف الرجل بالمحظوظ في حال كهذه يبدو غريباً..

 

حسد الغبطة هنا -إذا جازت التسمية- لا يدور حول عدد هؤلاء الأعداء ولا على مدى قوتهم أو ضعفهم، وإنما ينحصر في سمة الغباء التي يتصف بها أكثرهم.

 

الملالي يتباكون على الأتاتوركية

وهذا يعيد إلى الذاكرة نفاق الملالي الذين كفَّروا بعث العراق بقيادة صدام حسين، وتحالفوا مع بعث النصيرية في سوريا منذ عهد المقبور حافظ أسد!!

 

فقد هاجم الإعلام الإيراني الاستفتاء التركي، ووصف النتيجة بأنها تعني "نعم للديكتاتورية".

وقالت صحيفة "قانون" الإيرانية:"الرجل الجورجي الأصل، من الآن أصبحت بيده المملكة العثمانية الحديثة، ويستطيع اختيار الوزراء ونائبه ويخطط وينفذ سياساته، وبطبيعة الحال لن يكون مسؤولا أمام البرلمان".

 

وعبرت الصحيفة الإيرانية عن مخاوفها من "ابتعاد تركيا عن الحرية والديمقراطية والعلمانية التي وضعها أتاتورك للبلاد".

 

من جانب آخر هاجم موقع "بولتين نيوز" الرئيس التركي بشدة ووصفه بـ"هتلر تركيا".

 

وقال الموقع المقرب من دوائر الحرس الثوري الإيراني: "لقد تهيأت الأرضية لديكتاتورية هتلرية في تركيا، وإن ثمرة أردوغان لتركيا ولدول المنطقة لم تكن غير الحزن والبؤس وسفك الدماء"؛ووصف الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأنه "يضع تركيا في طريق منحدر باتجاه الديكتاتورية".

 

وأضاف "مشرق نيوز": "أردوغان وحزب العدالة والتنمية ينويان عبر التعديلات الدستورية، حذف جميع معارضيهم من الساحة السياسية في تركيا".

 

وعلق موقع "تابناك" التابع للجنرال محسن رضائي على استفتاء الشعب التركي قائلا: "الاستفتاء على التعديلات الدستورية حوّل تركيا إلى ديكتاتورية على مزاج أردوغان".

 

ودعت صحيفة "آفتاب يزد" الإصلاحية إلى مواجهة تركيا والرد عليها وعلى سياساتها إقليميا ودوليا بعد تأييد التعديلات الدستورية قائلة: "إن الأمن والاستقرار الاستراتيجي في تركيا وجنوب شرق أوروبا، وجبهة الشرق المتوسط، ومنظمة حلف الشمال الأطلسي، والسلام والأمن الإقليميين.. أصبحت الآن لعبة بيد أردوغان والحكومة التركية، ولهذا السبب لا يمكن أن يكون الجميع غير مبالين أمام نوايا وأهداف أنقرة، والتسامح في مثل هذه الحالة سوف يكون خطيرا جدا وغير معقول".

 

هتلر التركي

من الطبيعي أن يبدي النظام المصري موقفاً مناوئاً لأردوغان، لكن الإسفاف الذي اتصفت به التغطية الإعلامية يخدم الرئيس التركي بدلاً من الإساءة إليه!

 

ثمت استثناء عابر يتمثل في تعليق أحد الإعلاميين أقر فيه بعناصر قوة النظام التركي، لكن سائر أدائه لموضوع الاستفتاء لم تختلف عن النمط الذي انتهجته جميع وسائل الإعلام هناك الذي بلغ به إلى وصف أردوغان ب"هتلر تركيا"!