هل من جديد بخطة ترامب الأخيرة بسورية ؟!
23 رجب 1438
د. زياد الشامي

تداولت وسائل الإعلام الأمريكية أمس معلومات عن خطة جديدة للإدارة الأمريكية تتعلق بسورية , وتضمنت الخطة حسب المصادر الأمريكية أربعة مراحل  , لا تحمل في مضمونها وجوهرها أي جديد في الموقف الرسمي للعم سام تجاه ما يجري في سورية من حرب قذرة ضد الشعب السوري المسلم منذ أكثر من 6 سنوات , اللهم إلا بعض التصريحات العنترية النارية أحيانا , والضربات العسكرية الاستعراضية المحدودة تارة أخرى .

 

 

 

وبعيدا عن أن الخطة الجديدة للرئيس ترامب فيما يتعلق بسورية تبقى في النهاية مجرد تكهنات ما لم تتم ترجمتها إلى ممارسات وأفعال , فإن اللافت أن بنودها لم تأت بأي جديد على الموقف الأمريكي الثابت تجاه ما يجري في سورية , والذي يستند على منع الثوار من الحسم العسكري والانتصار كمبدأ أساسي , ويسعى لإعادة تأهيل النظام النصيري – وإن اضطر في النهاية لاستبدال الطاغية بآخر من نفس الطائفة - تحت غطاء المحافظة على مؤسسات الدولة .

 

 

 

أولى مراحل خطة ترامب الجديدة حسب ما نقلت كالة "اسوشيتد برس" (AP) عن مصدر أمريكي مسؤول هي : محاربة ما يسمى "تنظيم الدولة" في سورية والقضاء عليه !!

 

 

 

الملاحظ أن هذه الأولوية المزعومة – التي كانت كذلك في عهد إدارة "أوباما" خلال سنوات – لم تخرج حتى الآن من نطاق التصريحات إلى الأفعال , ناهيك عن الانتقائية الأمريكية فيما يتعلق بالجهة التي يمكن أن تقاتل "داعش" أوتهزمه , فعلى الرغم من جهود الجيش السوري الحر في محاربة التنظيم وهزيمته في أكثر من مواجهة ومكان , وعلى الرغم من عرض تركيا على الولايات المتحدة الأمريكية التعاون لمواجهة "داعش" والقضاء عليه أكثر من مرة ........ إلا أن العم سام ما زال مصرا على الاعتماد على ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية" التي يهيمن عليها مليشيا ما يسمى "وحدات حماية الشعب الكردية" المناوئة لتركيا وذات النزعة الانفصالية , وهو ما يشير إلى رغبة العم سام بالإبقاء على "داعش" كشماعة لتمرير أجندته ومخططاته في سورية , وعلى رأسها تمزيق الشام وتفتيتها وتهجير الأغلبية المسلمة منها خدمة لمصالح الاحتلال الصهيوني .

 

 

 

أما المرحلة الثانية فستركز على ما تسميه خطة ترامب الجديدة : "نشر الاستقرار في سوريا" , وذلك من خلال دعم واشنطن لمزيد من اتفاقات الهدنة بين نظام طاغية الشام وفصائل الثورة السورية المسلحة , تلك الهدن التي هي في الحقيقة مجرد عقود إذعان , اضطرت الفصائل المسلحة الرضوخ إليها نتيجة الحصار الخانق للمناطق التي تسيطر عليها , والذي تسبب بموت الكثير من السوريين جوعا , وحصاد القصف الهستيري بالبراميل والفوسفور والقنابل الحارقة والغازات السامة و.....الخ .

 

 

 

وفيما يتعلق بهذه المرحلة من خطة ترامب فإنها تجاوزت في وقاحتها حدود السماح بتهجير السوريين من مناطقهم وبيوتهم ...إلى محاولة تكريس هذا الواقع الجديد على الأرض باسم فرض ما يسمى بـ " مناطق استقرار مؤقتة" ، يسهم الطاغية في إنشائها !!

 

 

 

بل إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى في هذه المرحلة إلى شرعنة تقسيم سورية على أسس طائفية تحت غطاء ما تسميه "الفيدرالية" , من خلال إدارة البلاد في هذه الفترة بواسطة حكومة مؤقتة , وقيام شخصيات سنية بإدارة المناطق ذات الغالبية السنية ، و إدارة شخصيات كردية للمناطق الكردية ......وهكذا .

 

 

 

وعلى الرغم من تضمن خطة ترامب الجديدة في سورية في المرحلة الثالثة التي تمت تسميتها بــ "الفترة الانتقالية"، على وجوب رحيل طاغية الشام إما بتخليه عن السلطة طوعا ولجوئه إلى روسيا أو إيران , أو بإجراء انتخابات رئاسية بموجب دستور جديد يتم منعه من الترشح فيها إن رفض التنحي طوعا ، أو باستخدام سجل جرائم الحرب التي ارتكبها لإجباره على الرحيل , ناهيك عن خيار تزعم إدراة ترامب أنها لا تستبعده ألا وهو موت الطاغية على يد خصومه .....إلا أنها تبقى في إطار التصريحات التي ما زالت أمريكا ترددها منذ سنوات دون أي ترجمة حقيقة لها على أرض الواقع .

 

 

 

بل إن كثيرا من المعطيات تؤكد أن إسقاط الطاغية ليست ضمن أولويات إدارة ترامب , ويكفي دليلا على ذلك تصريحات كل من "هيلي" سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة التي أكدت أن بلادها لم تعد تركز على إسقاط الأسد كأولوية في سياستها تجاه سورية , ناهيك عن تصريح وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" الذي اعتبر أن مستقبل الأسد يقرره الشعب السوري .

 

 

 

وفيما يخص مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية فإنها على ما يبدو مرحلة تقاسم النفوذ وتوزيع الكعكة السورية حسب الخطة الأمريكية الجديدة , من خلال الاعتراف الأمريكي بمصالح روسيا ونفوذها في سورية وفي مقدمتها الإبقاء على القاعدتين العسكريتين في كل من طرطوس واللاذقية , مقابل ضمان روسيا لمصالح العم سام وأزلامه في أرض الشام .

 

 

 

ومن هنا يمكن للقارئ الكريم اكتشاف أنه لا جديد في خطة ترامب الجديدة بالنسبة لسورية , فهي تدور حول نفس ثوابت العم سام تجاه الثورة السورية والنظام النصيري , حيث يبدو أن إجهاض الأولى منهما واضحا في أي خطة , بينما العمل على إعادة تأهيل الثاني ليعود إلى حكم بلاد الشام - بالطاغية نفسه أو بغيره - لم يعد يشك أو يجادل فيه اثنان .