ماذا يحدث في "منبج" السورية ؟!
7 جمادى الثانية 1438
د. زياد الشامي

مع زخم الأحداث التي تذخر بها الثورة السورية دائما , ومع اقتراب دخول العام السابع على انطلاقها منتصف هذا الشهر , تطفو على سطح الأحداث الساخنة الآن ما يجري في مدينة منبج شمال البلاد , حيث تتجه الأنظار إلى هناك بعد استكمال قوات درع الفرات المدعوم من تركيا تحرير مدينة الباب ذات الأهمية الاستراتيجية بالكامل من قبضة "داعش" .

 

 

 

أهمية مدينة منبج الاستراتيجي وموقعها المتميز دفع الكثير من اللاعبين المحليين والإقليمين والدوليين للسعي الحثيث والسباق نحو السيطرة عليها , فالمدينة تعتبر المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه , كما أن قربها من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب زاد من أهميتها , ناهيك عن كونها عقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لمدينة حلب .

 

 

 

تم تحرير مدينة منبج من العصابة الأسدية على يد الجيش السوري الحر في بداية الثورة السورية , ثم سيطر ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على المدينة في بداية عام 2014م بعد معارك عنيفة مع الجيش الحر , وفي أغسطس من العام الماضي تمكنت قوات ما يسمى "سورية الديمقراطية" التي تهيمن عليها قوات "ي ب ك" الكردية المدعومة من أمريكا التي تقود التحالف الدولي من السيطرة على المدينة بعد طرد "داعش" منها .

 

 

 

ومنذ يومين أعلن ما يسمى "المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها" عن اتفاق "مع الجانب الروسي"، يقضي بتسليم "القرى الواقعة على خط التماس مع قوات "درع الفرات" والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج لقوات حرس الحدود التابعة للنظام النصيري" , زاعما أن قوات النظام "ستقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة "درع الفرات" حسب البيان .

 

 

 

كما أعلنت موسكو على لسان رئيس المديرية العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية "سيرغي رودسكوي" أن قوات النظام السوري وصلت بالفعل إلى المنطقة الواقعة جنوب غربي مدينة منبج , وقال في تصريحات نقلتها وكالة "سبوتنيك" : إنه "وفقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها سيتم إدخال وحدات من القوات المسلحة التابعة للأسد بدءا من يوم 3 مارس/آذار، إلى الأراضي التي تسيطر عليها الوحدات الكردية".

 

 

 

تبدو الخطوة التي قامت بها قوات ما يسمى "سورية الديمقراطية" التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) شبيهة إلى حد كبير بالخطوة التي قام بها "تنظيم الدولة" مؤخرا , حيث انسحب بشكل مفاجئ من عدة قرى بمحيط مدينة الباب و مكن النظام النصيري من السيطرة عليها , وهو ما يزيد من المؤشرات والدلائل على وجود تنسيق بين "داعش" والنظام النصيري من جهة , وقوات "قسد" ونظام الأسد من جهة أخرى ضد قوات "درع الفرات" والجيش الحر وفصائل الثورة السورية عموما .

 

 

 

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التواجد العسكري الأمريكي في تلك المنطقة , حيث تنتشر  المدرعات الأمريكية بشكل واضح وصريح....فإن "منبج" أضحت مسرحا لقوات "كردية نصيرية روسية وأمريكية" بالإضافة لقوات "درع الفرات" المدعومة من تركيا التي أضحت على تخومها .

 

 

 

تبدو تركيا مصممة على استكمال تحرير كامل حدودها الجنوبية مع سورية , ومصرة على إفراغ منطقة غرب الفرات من أي تواجد عسكري يهدد أمنها القومي , وخصوصا قوات "داعش" و "ب ي د" الكردية .

 

 

 

يمكن قراءة ذلك من خلال عدة مشاهد أبرزها تهديد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مؤخراً بأن قوات بلاده ستقصف ميليشيا مواقع تنظيم "ي ب ك"، الذراع العسكري لتنظيم "ب ي د" في سوريا، في حال لم تنسحب من مدينة منبج شرقي حلب .

 

 

 

من جهته قال وزير الدفاع التركي "فكري إشيق" في تصريحات صحفية : "ننتظر بشكل قاطع انسحاب عناصر "ب ي د" و " بي كا كا" من غرب نهر الفرات، وهذا ما تعهدت به أمريكا لتركيا، وننتظر تنفيذ هذا التعهد بأقرب وقت".

 

 

 

وأكد إيشيق أن أولوية تركيا بعد تطهير مدينة الباب ستكون مدينة منبج (شرق) , مهددا  أن بلاده ستخرج ميليشيا "الوحدات" من منبج "عنوة" في حال لم تخرج منها طوعا ، مكرراً اتهامه بوجود تعاون بين الميليشيا وتنظيم "الدولة" ونظام الأسد، ولا سيما بعد تسليم مناطق في محيط منبج إلى الأخيرة .

 

 

 

التصميم التركي على تحرير مدينة منبج بعد الباب لم تقتصر على التهديدات والتصريحات النارية السياسية والعسكرية , بل ترجمتها فعليا بإرسال الجيش التركي المزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود التركية السورية ، والتي تتألف من شاحنات تحمل دبابات وناقلات جند مدرعة وأسلحة ومعدات عسكرية .

 

 

 

أما عن توقيت بدء قوات "درع الفرات" بعملية تحرير مدينة "منبج" فقد أشارت إليه صحيفة يني شفق" التركية" , حيث كشفت أنها ستنطلق بعد زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الروسية موسكو، في 10 آذار الجاري، واجتماعه بالرئيس فلاديمير بوتين .

 

 

 

أنقرة التي تقول إنها أبلغت جميع الأطراف - وعلى رأسها موسكو وواشنطن - بتصميمها على تنفيذ عملية منبج , ستضطر لمواجهة قوات النظام النصيري المدعوم من روسيا , وهو ما سيعقد الموقف ويفتح الباب للكثير من التساؤلات والتكهنات حول المواجهة المرتقبة وتداعياتها .

 

 

 

الأمر اللافت والواضح فيما يجري في الشمال السوري على الحدود مع تركيا , أن جميع الأطراف – أمريكا والغرب وروسيا والنظام النصيري وقوات "ب ي د" الكردية و "داعش" وإيران - منزعج على ما يبدو من تقدم قوات درع الفرات , ويسعى لوقف هذا التقدم أو ابتزاز أردغان ومساومته على ذلك على الأقل .