فضيحة إعلامية نمساوية تكشف حقداً أسود
6 جمادى الثانية 1438
أمير سعيد

تكاد أوروبا تميز من الغيظ كلما وجدت تركيا تسير في الطريق الصحيح نحو قوتها وعزتها، فيظهر مكنون حنقها في بعض الإجراءات التي لا معنى لها سوى انزعاجها من معرفة الأتراك لاتجاه البوصلة الحقيقي.

 

عديد من الأخبار ترسم قسمات وجه أوروبا الغاضب من اتجاه الأتراك لتعديل دستور أتاتورك، بما يتضمنه من منح الرئيس التركي صلاحيات واسعة تحول دون وقوع الحالة السياسية التركية تحت "رحمة" الائتلافات الحكومية التي تضطر إليها الأحزاب حين تخفق جميعها في تحقيق أغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية، علاوة على نقاط أخرى تخفف من تطرف علمانية الدستور التركي.

 

نختار من بين هذه الأخبار على كثرتها واحداً يعبر عن زاوية إعلامية كاشفة لهذا الحنق: النمسا، البلد الأوروبي "المتسامح"، أو هكذا كان كثيرون منا يظن، أوقفت فيه قناة OKTO التلفزيونية بث برنامج تعرضه بدعوى ترويجه للتصويت بنعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي ستشهدها تركيا الشهر المقبل.

 

برنامج "Mehmet Keser Show"  الذي يعده ويقدمه محمد كسار باللغة التركية منذ 11 عاماً، رغم كون ترفيهياً بالأساس إلا أن القناة أوقفته لأن معده عجز عن توفير معارض للاستفتاء إلى جانب ضيف مؤيد للتعديلات بعد رفض الشخصية المعارضة للحضور؛ فأرجأ عرض وجه النظر المعارضة للحلقة التالية، إلا أن ضغوط مؤيدي المنظمات الإرهابية كميليشيا حزب العمال الكردستاني ومنظمة فتح الله غولن قد نجحت في وقف البرنامج حتى قبل عرض وجهة النظر المقابلة، رغم علم إدارة القناة بملابسات تقسيم الموضوع على حلقتين!

 

وفي الحيثيات، وفقاً لوكالة الأناضول نقلاً عن كسار أن "الملاحظة المكتوبة التي أرسلتها إليه إدارة القناة بشأن وقف البرنامج، أرجعت السبب إلى أن البرنامج يؤيد التصويت بنعم في الاستفتاء، ويشيد بأردوغان."، كسار الذي لم يجد ما يفسر ذلك ولا ما يزيل صدمته، فقال: "أنا أقدم البرنامج على القناة منذ 11 عاما. أشعر بالصدمة ولا أجد ما أقوله، هكذا شاهدنا ديمقراطية أوروبا".

 

رد الفعل عبر القناة الرسمية، بحيثياتها التي ساقتها، وقرارها الحاد المفاجئ، لا يعكس انزعاجاً من مجرد "خطأ مهني" قد يكون وقع من المعد، فكثير من برامج الرأي والرأي الآخر في العالم تواجهها مثل هذا الموقف حين يعتذر ضيف احتجاجاً أو بغرض إحراج القناة أو ما نحو ذلك، فلا يكون رد فعلها مثل هذا أبداً. إنما جاء قرار القناة التي تتبع بلدية فيينا ليلتئم مع سلسلة قرارات وإجراءات نمساوية وأوروبية تبرهن على أن انزعاج أوروبا برمتها، والدول الدائرة في الفلك الألماني بصفة خاصة، من نجاح إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تجاوز عقبة الدستور، والحد من سطوته العلمانية المتطرفة، وإفساحه المجال للتدخل غير الديمقراطي في الحكم، قد بلغ حد الجنون.

 

أوروبا عموماً، والدول ذات الكثافة التركية العالية نسبياً فيها خصوصاً، تضع على عاتقها مهمة إعاقة التأييد للتعديلات الدستورية داخل الجاليات التركية فيها، ولهذا تقف بالمرصاد أمام أي وسيلة يعبر بها الأتراك عن آرائهم علناً حيال شأنهم الداخلي ما دام ذلك سيفضي إلى زيادة نسبة التأييد داخل تلك الجاليات؛ لهذا قل اكتراث هذه الدول بحقوق التعبير عن الرأي ما دام سيفيد مشروع أردوغان.. تدرك أوروبا جيداً أن وراء الاستفتاء طموحات ستجعل من "تركيا 2023" نسخة عثمانية جديدة؛ لهذا فلتُدَس الديمقراطية بالنعال، ولتمحق الليبرالية، ولتقف الحكومات في وجه حق التعبير عن الرأي ما دامت ستجعل أردوغان أو خليفته سلطاناً عثمانياً، أو هكذا يحذَرون!