ترويض ترامب أم إعداد لخلعه؟
29 جمادى الأول 1438
طلعت رميح

يبدو الرئيس الأمريكي الجديد في مظهر المتخبط، كما يبدو مندفعا في تخبطه، حتى يمكن وصفه بقائد سيارة يسير بسرعة جنونية وهو بلا خبرة في القيادة، مثل هذا النمط من القادة خطر للغاية على الدولة التي يقودها بنفس قدر خطره على العالم بحكم السطوة الدولية للولايات المتحدة.

 

 

وإذا كانت دول العالم تعيش وضعية القلق من تصرفات الرجل – غير المتناسقة والتي لا يمكن التنبؤ بتغيراتها الفجائية - فالمؤشرات تتكاثر على قلق عميق لدى أجهزة الدولة الأمريكية والساسة والمشرعين – فضلا عن الرأي العام - من تأثيرات سلوك وقرارات الرئيس على مصالح الولايات المتحدة خارجيا وعلى استقرارها الداخلي.

 

 

لكن المتأمل والمدقق لا شك سيدرك أن ترامب ليس مجرد رجل مريض بنفسه - كما ذهبت تقارير طبية نفسية أمريكية - بل هو يقود عملية تغيير كبرى وخطرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وفي داخلها بطبيعة الحال، ولعل نموذج تصريحاته الأخيرة بشأن الدولة الواحدة في فلسطين هي أحد النماذج المهمة والدالة على حجم التغيير الحاصل في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ هو ينقل الموقف الأمريكي من حل الدولتين ومن رفض المستوطنات في الضفة الغربية – كما أظهره تصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن آخر أيام حكم أوباما - إلى تمكين إسرائيل من السيطرة على كل الأراضي الفلسطينية وفي ذلك لن يكون مستغربا أن يخرج ترامب قريبا، ليتحدث عن حق اسرائيل في طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية بحجة أن إسرائيل دولة يهودية، فضلا عن ما يستعد لإعلانه في وقت ليس ببعيد عن فلسطين موحدة تحت السيادة الاسرائيلية عبر نقل السفارة الأمريكية للقدس.

 

 

أما التغييرات الداخلية فتبدو متوسعة مع كل يوم يمر، وصدامه مع الصحافة والساسة وأجهزة الأمن والرأي العام ليس إلا مؤشر على حجم التغيير الذي يستهدفه ويسعى إليه.

 

 

وهنا بات لافتا أن بدأت انتفاضة واسعة وعميقة في الولايات المتحدة، لتؤكد على إدراك عميق بحجم التغيير الذى يقوده ترامب داخليا، ونحن لم نعد أمام تأثير الصدمة التي شعر بها الجميع عند إعلان فوزه، بل أمام ردود فعل على تنفيذ ترامب لسياساته.

 

 

الأمر كان باديا بوضوح في المظاهرات الرافضة لقدومه وأفكاره، لكنه بات معركة سياسية أخطر ملامحها، وضوحا تحدي أجهزة الدولة لقراراته المتعلقة بطرد المهاجرين ومنع دخول مواطني (7) دول للولايات المتحدة، حتى جاءت واقعة إرغامه على التخلي عن مستشاره للأمن القومي الذي قدم استقالته قبل مرور شهر على تولي الإدارة الأمريكية الجديدة للحكم، ليظهر حجم ونمط المواجهة الجارية.

 

 

تلك الواقعة أخطر مما يتصور الكثيرون، فهي عنوان لقوة الصحافة التي دخل ترامب في عداء معها قبل وبعد وصوله للحكم، أو هي بمثابة إعلان حرب، وهي عنوان لقدرة أجهزة الدولة الأمريكية على التصدي لرجل يملك كل هذه الصلاحيات، وتشديد على أن بإمكانها إجبار الرئيس على اتخاذ القرار، كانت اختبارا قويا، والأهم أننا أمام عنوان سيصل خيطه للرئيس، وهو ما سيجعل وجوده في السلطة، وجودا تحت سيف الإقالة، التي يبدو أن كثيرين متعجلون لإنجازها تقليلا للآثار والنتائج المترتبة على سلوكيات ترامب.

 

 

هكذا تكاثرت الأحداث والمجابهات حتى بات ممكنا التساؤل عن ما إذا كان ما نراه، هو محاولة لترويض الرئيس أم أننا نعيش مرحلة وضع وتثبيت كل الأسس لمعركة تصاعدية تنتهي بإقالته؟.

 

 

كلا السيناريوهين قابل للتحقق، بل يمكن المجازفة بالقول بأن العقل الأمريكي الجمعي اتخذ هذا التوجه منذ لحظة فوز ترامب؛ إذ تقرر عدم التضحية بالنظام الأمريكي العام – بنقل السلطة بسلاسة لترامب - والإعداد لترويض الرئيس أو إقالته من بعد، ولذا جرت المعركة سريعة ومباشرة فورية ودون انتظار.

 

 

والأغلب الآن أن سيناريو ترويض الرئيس هو الجاري انفاذه، فإن لم يتحقق أو إن لم يتمكن ترامب من تعديل وتوفيق أوضاعه هو وإدارته، تكون الأمور مهيئة لإنفاذ السيناريو الثاني.

 

 

لقد جرت أعمال التهيئة الشعبية، كما جرت عملية انماء لحالة تحدي أجهزة الدولة للتصرفات الخرقاء والجنونية للرئيس ومساعديه، وهنا جاءت واقعة اصطياد مستشار الأمن القومي متلبسا بنصح روسيا بعدم الرد على العقوبات التي فرضها أوباما وإبلاغ سفيرها بأن ترامب سيلغيها، لتضع الأساس القانوني للمطالبة بإقالة الرئيس.

 

 

وفي ذلك، تتوجه الأنظار جميعها صوب نائب الرئيس، باعتباره المرشح لتولىي الرئاسة من بعد.

 

 

المصدر/ الهيئة نت