18 جمادى الثانية 1438

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي أنني تزوجت بامرأة متدينة، تسمع الكلام وصالحة، وتحبني، إلا أنها لا تفعل أي شيء آخر بالبيت غير الجلوس بجانبي، فلا تقوم بواجباتها الزوجية، من تنظيف البيت، والاهتمام بملابسي وترتيبها، وتهيئة الطعام، وقد مر على زواجنا ثلاث سنوات، ولا شيء قد تغير في سلوكها وتصرفاتها، وبدون مبالغة فكل الأكل الذي تهيئه نلقي به في القمامة، لدرجة أننا صرنا لا نأكل إلا من الخارج، إلا إذا زارنا ضيوف بالبيت، حينها يكون الطعام جيدا..

إضافة إلى أنها لا تلبي احتياجاتي الجنسية ولا تكفيني، ولم أكلمها بشأن هذا الموضوع، ولكن كلمتها كثيرا كي تعتني بي وتهتم بشؤون المنزل..

ولكن للأسف بلا جدوى، وتعبت من الكلام والنصائح ولم أعد أطيق الصبر على هذا الوضع، فأنا من أهتم بكل شيء، وأنا من أنظف البيت، حتى ملء المياه ووضعها في الثلاجة، وكلما فتحت معها الموضوع تقول لي: ليس لي رغبة، وأنها إن فعلت شيئا أو أنجزت عملا بالبيت فكي ترضيني فقط، ولكن أنا حقا تعبت من هذه الفوضى، ولم أعد أطيق الأوساخ وقلة النظام داخل بيتي، فهي لا تقوم بأي شيء على الإطلاق، وقد سبق وأن هددتها بالزواج عليها، ولكن لم ترتدع..

وكلمتها بالرفق والشدة، فكانت تعدني أنها ستتغير ولا شيء يتغير، وأخبرت والدتها فكانت تأتي لتنظف البيت وتهيئ الطعام، والحمد لله هي الآن حامل ولكن لاحظت أنها لا تعي شيئا عن مسؤولية الحمل، فهي لا تتحرك من مكانها، وتمتنع عن الأكل والشرب، وإذا أكلت لا تختار الطعام المفيد لجنينها، وأنا احترت في أمرها، فماذا أفعل، وكيف أتصرف معها؟ وأخشى أن أظلمها إن طلقتها أو تزوجت عليها بامرأة أخرى..

أجاب عنها:
د. صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

 

أخي السائل الكريم، بداية أشكر لك ثقتك بموقع المسلم، وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في أمور منها:

ــ أن زوجتك لا تفعل أي شئ آخر بالبيت غير الجلوس بجانبك..

ــ إهمالها لواجباتها الزوجية، من تنظيف البيت، والاهتمام بالملابس وترتيبها، وتهييء الطعام وكل متعلقات البيت وتنظيم شؤونه..

ــ إضافة إلى أنها لا تلبي احتياجاتك الجنسية..

ــ عدم شعورها بالمسؤولية الزوجية، ولا بمسؤوليتها تجاه حملها..

 

ومن النصائح والإرشادات التي أقدمها لحل مشكلتك ما يلي:

أولا: صحِّح علاقتك بالله، وراقِب نفسك في السِّرِّ والعلن، فهذا من شأنه أن يهبك السعادة الزوجية، والاستقرار في بيتك، كما أن إقبالك على الله بالطاعات وإشراك زوجتك في أعمال الخير، واغتنام الوقت فيما يعود عليكما بالنفع والفائدة، من شأنه أن يساعدك في تسيير حياتك، فإذا صَحَّ ما بينك وبين الله صحَّ ما بينك وبين زوجِك، كما أوصيك بالدعاء فهو سلاح المؤمن، وهو ملاذك لحل مشكلاتك، وهو وجاؤك وحصنك المنيع..

 

ثانيا: حاوِلْ أن تُوجِّه تفكيرك لكسب مفاتيح شخصية زوجتك، فلكلِّ بابٍ من أبواب شخصيتها مفتاح خاصٌّ بها، حينَها ستنجح في فتح أقفال أبوابها المغلقة، وستنجح في إقناعها بما يرضيك ويسعدك، وفي تغيير طباعها السيئة للأحسن، ووفق ما يناسِبُك وينسجم مع رغباتك النفسية واحْتياجاتِك العاطفية والجسدية..

 

ثالثا: عليك أن تَتفهَّم شخصية زوجتك وطباعها، وأن تَعْذُرها وتُبرِّر تصرُّفاتها الخاطئة، فهي ليست من تُلام بل أسرتها هي المسؤولة عن ذلك، والأم والأب المُربِّي هو المسؤول، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه، الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه، والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ، والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها.."..

 

فزوجتك إنَّما هي فرعٌ من فُروعِ تلك الشجرة التي كانت مَزْروعَة في بيت أهلها، وزوجتك هي الثمَّرة التي اخْترتَ أن تَجْنيها من تلك الأرض التي نضجت فيها، وزوجتك هي بنت المحيط والأسرة التي نشأت فيها، وشبَّت وترعرعت على طابعِها وأسلوبها في التربية، فألِفت ــ على ما يبدو ـ حياة الراحة والرتابة، والكسل والخمول، واعتادت على حياة الدَّلال، في العيش والأكل والشرب والنوم، وللأسف أن كثيرا من الآباء والأمهات يبالغون في تدليل البنت، فيُهْمِلون في تأهيلها لتحَمُّل واجبات الحياة الزوجية وأعبائها ومشاقِّها، ويقصرون في توجيهها التوجيه السليم لمواجهة المشاكل والمساهمة في حَلِّها، ويفصلونها عن الواقع وعن مواجهة الحياة، وعن المشاركة في تَحمُّل المسؤولية منذ الصِّغَر، فيصير أي عمل تقوم به مهما كان يسيرا، هو بمثابة عبئ ثقيل عليها، لا تقدر على أن تتحمله بعد الزواج..

 

رابعا: الواجب عليك كزوج مسؤول عن بيتك، أن تكون راعِيًا مسؤولا عن زوجتك، لك سلطة القِوامة بمعناها الحقيقي، بحيث تكونُ قوَّاماً على زوجتك في الأمر والنَّهْي، والتَّوجيه والرِّعاية، والتَّهذيب والإرشاد والتعليم، مصداقا لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} لأالنساء: [34].

 

خامسا: عليك أن تكون حَذِقًا وذكيا وحكيما في تدبير شؤونك داخل بيتك، ناجِحًا في تسيير وقيادَة دفَّة سفينتك الزوجية، بحيث تعرف كيف تجعل كلمتك نافِذَة ومَسْموعة داخل بيتك، فإذا زانَك الرِّفق في مواطن، فلا يعيبُك أن تكون شديدًا وصارِمًا في مواطن أخرى، كي تفرض هيبتك واحترامك، وتجعل زوجتك تخشى غضبتك، وتهاب أن تعصي لك أمرا، أو أن تقصر في حقٍّ من حقوقك، كما لا يعيبُك أن تلجأ تارة إلى التأديب الشرعي لزوجتك، حتى تتعلَّم أن طاعة الزوج في المعروف واجبة..

 

سادسا: ازرع بداخل بيتك معاني الفرح والسُّرور، وفَسائِل المَحبَّة، والمَودَّة، والسَّكَن الحقيقي، وعَلِّم زوجتك ما لم تَتعلَّمه في بيت أهلها عن مقاصِد الزَّواج وغاياتِه النَّبيلة، وكُنْ لها الأب المؤدِّب، والأمَّ الرّؤوم الحَنون، والأخ والأخت، والرَّفيق والزوج الذي يتقاسم معها الحلو والمر..

 

سابعا: بما أن زوجتك تفضِّل الجلوس إلى جانبك، استخدم معها الحيلة، ودَرِّبها على الحركة والعمل في البيت، وذلك بأن تحُثَّها على أن تدخل معها إلى المطبخ، وكلا منكما يتكفَّل بمهمة، وتتعاونان معا على إنجاز بعض الأشغال بشكل يومي، حتى تَعْتاد على لذَّة العمل، وعلى قيمة الحركة وتنظيم البيت، وتدبير شؤونه بفرح وسعادة، فوجودك إلى جانبها وهي تنظف، أو ترتب، أو تطبخ، سيساعدها كثيرا على أن تقبل على ذلك برغبة ونشاط، وسيحفِّزها ذلك على أن تتغير وتتخلص من عاداتها القديمة..

 

ثامنا: أَخْبِرْها أنَّها إذا أطاعَتْك في أمر، أو جهَّزت لك طعاما طيبا وشهِيًّا، أو تغيرت للأحسن، أو رتَّبت بيتها بالشكل اللائق، وأَرْضَتْك وأَسْعَدتْك، ستُلبِّي طَلباتها قَدْر استطاعتك، وستُقَدِّم لها بالمُقابِل هدية جميلة، أو ستُفاجِئُها بمفاجأة سارَّة، فالمُحَفِّزات والهَدايا تُغْري الزَّوجة، وتبعث هِمَّتها كي تُنْجِز وتعمل، وسيساعدها ذلك على التغيير..

 

تاسعا: زِدْ في صبرك ولا تتوقَّف عن تقديم التنازلات والتضحيات لأجل استقرار حياتك الزوجية، وإياك أن تنسى أنك سترزق بمولود، وعليك أن تهيئ له الجو المناسب والمريح، ومن شأن هذا المولود الجديد أن يجدد حياتكما، ويبعث في أركانها الدِّفْء والسَّعادة، كما أنَّ السنوات الأولى من الزواج هي أصعب مرحلة يمرُّ منها الأزواج، قبل أن تستقر حياتهما معا، لذلك لا تتعجَّل في اتخاذ أي قرار يهدم بيتك، وثِقْ أنَّ بلوغ المراد والغاية المرْجوَّة يحتاج إلى طاقة وقوة تحمل ومجاهدة، وتذكَّر أنَّ الله سبحانه وتعالى يوفِّي الصابرين أجرًا مضاعَفًا وثوابًا عظيمًا، كما قال تبارك وتعالى: (إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب)، ولأنَّ النَّصر مع الصبر، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)..

 

عاشرا: ركِّز على الجانب المشرق والإيجابي في شخصية زوجتك، وانظر لمحامدها وفضائلها، وحاول أن تتغاضى عن الجانب السِّلبي من شخصيتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ"..

 

وختاما

إذا فشلت في تغيير طباع زوجتك، ويئِسْت من حالتها، ومن الوصول لأيِّ حلٍّ ممكن، واسْتنفدت كل ما في طاقتك ووسعك، وجرّبت كل ما تستطيعه من محاولات لإصلاحها، ووجدت حاجتك لزوجة ثانية، فهنا يكون اللجوء إلى الزواج الثاني في حالتك هو الحلُّ الأمثل والأَسْلَم، - وهو بالطبع سلوك مباح على المستوى الشرعي بكل حال - بحيث أن لا تتخذه عقابا أو انتقاما من زوجتك الأولى، فتظلم الزوجة الثانية التي لا ذنب لها، أو أن تلجأ إليه دون أن ترتب شؤون نفسك الشخصية والاجتماعية فتزيد همومك هما مع هم، بل لتكن هذه الخطوة خطوة مدروسة.

 

أسأل الله العلي القدير أن يصلح زوجتك، وأن يبدِّل حالها إلى أحسن حال، وأن يردها إلى الحق والخير ردّاً جميلاً، وأن يفرج كربتك وييسر أمورك كلها، وأن ينصرك بالحق ويثبتك عليه..