الحقيقة القاهرة في معرض كتاب القاهرة
17 جمادى الأول 1438
عبد الحكيم الظافر

يعج معرض القاهرة للكتاب بالغادين والرائحين، المشترين والمتفرجين، والمتسكعين أحياناً.. فعاليات "ثقافية"، تحت لافتة الإبداع ينحشر فيها متابعو "نجوم" الثقافة والإعلام.. ازدحام كبير في الطرقات لا يفضي إلى حركة شرائية كبيرة.. وحده الكتاب الإسلامي هو الأكثر رواجاً وانتشاراً.. لابد أن تلحظ جموع الملتحين – وغيرهم - وهو يحملون "كراتين" من أمهات الكتب أو بأقل تقدير، أكياساً تحوي بعضاً من المجلدات.. وحدهم هم حاملو الأوزان الثقيلة من الكتب!

 

هذا المشهد هو من كنت تراه خلال سنوات مضت، ساد فيها الكساد النسبي للكتاب، لكن تسيد على الدوام "الكتاب الإسلامي"، وكانت جميع الإحصاءات تؤكد تربعه على رأس قائمة اهتمام الزائرين، شراءً وتصفحاً.

 

لكن..

ما يمكنك أن تلحظه بزيارة خاطفة لمعرض كتاب هذا العام هو انحسار هذه الصورة، وظهور موجة جديدة من الاهتمامات طفت على سطح الحالة الثقافية في مصر، وهو اهتمام شباب وفتيات بروايات عديدة غزت المعرض وطفحت في معظم أركانه.

 

 

انتصار يرصده المعنيون بالحالة الثقافية في مصر لأصحاب التوجه العلماني على أصحاب الهوية الأصيلة لشعب بلد الأزهر، غير أن هذه في الحقيقة ليست قراءة دقيقة للواقع من عدة زوايا؛ فالتغير الحاصل لم يكن مرده سجالاً ثقافياً قد انقدح في ميدانه الحقيقي، بل تغييب طرف، وحلول آخر مستفيداً من فراغ حدث جبرياً، ولم يكن ثمة أي مجال لاشتباك فكري أفضى إلى إعادة تبديل الأماكن بطريق الإقناع والجدل المشروع في هواء طلق.

 

 

الذي كان، كانه لأن المناخ لم يعد يسمح إلا بنمط معين من "الثقافة" لا سواه، من "الإبداع" لا غيره، فروايات "الشك" أو "الإلحاد" أو "الابتذال" أو التفاهات التي لا تبني فكراً رائداً فاعلاً ومؤثراً في نهضة الشعوب وانسجام المجتمع والتزامه قيمه العليا ولا تحفز مشروعاً حضارياً، لا يمكنها أن تنتشر هكذا إلا حين تركد المياه الجارية وتنسد المنافذ. لقد بُذلت جهود مضنية منذ سنوات قليلة كي تتسيد هذه الأنماط الثقافية الخبيثة، وأتيحت مقاهٍ تنشر هذه الكتب والروايات، ومكتبات مشبوهة، مهد لها الطريق لتقدم هذا اللون وحده دون سواه، وأصبحت معظمها أوكاراً لمجموعات يسارية تستتر بالثقافة لنشر أفكار وفلسفات وسلوكيات فاسدة، وحجب غيرها عن الحركة تماماً، ثم رفدت هذه المجاميع بحوافز إعلامية وحملات دعائية هائلة؛ فتشكل هذا الجرف الحاد؛ فانهارت معه القيم والأفكار وسفكت على مذبحه الأخلاق.. حين تركد المياه النقية الطيبة؛ فلا غرو من أن تطفو الطحالب وينتشر البعوض ويحوم الذباب.