عندما يرث الربانيون
4 جمادى الأول 1438
د. خالد رُوشه

في أيام غاب فيها العلم وانتشر الجهل ، وعم الهوى وانحسر الرشد ، نبصر قلبا نورانيا يخطو خطواته الثابتة نحو ميراث النبوات وسبيل الصالحين ، يحمل في يديه حروف البصيرة بين دفتي كتب مضيئة ..

 

 

إن هذا القلب هو قلب طالب العلم الصادق المخلص ، الذي عرفه الناس بخشوعه إذ الناس يلهون ، وبرشده إذ الناس يغيبون ، وببصيرته إذ الناس يعمهون ..

 

 

قلبه ذلك المتبتل الخاشع ، يسير خطواته وسط الجموع المنشغلة بالصراع على الدرهم والدينار ، والزخرف والمتاع ، والشهرة والمراكز ، لا يلوي على شىء ، قد بان هدفه واتضحت معالم سبيله ، يضع أقدامه على آثار أقدام الأولين الصالحين .

 

 

 

حق له ، فالعلم من أهم اسباب دخول الجنة والرفعة في المقامات العلا , قال تعالى :" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " ، و قال صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم .
 

 

 

والعلم دليل على الخير الذي يريده الله بالمرء ، قال صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه ، قال الحافظ ابن حجر"  : يفقهه : أي يفهمه ، ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين فقد حرم الخير "

 

 

والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم  ، قال صلى الله عليه وسلم ":  وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " رواه أبو داود   , قال ابن القيم"  : ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعاً له وتوقيراً وإكراماً لما يحمله من ميراث النبوة "

 

 

وطريق العلم طريق الصادقين المخلصين ، فلا يثبت فيه إلا هؤلاء ، والآخرون غالبا ما يسقطون أو ينقطعون ، وحتى لو حصلوا بعض حفظ فهم لا ينتفعون به ، وقليلا ما ينفعون !

 

 

فمن نوى السير فيه فليضع لنفسه هدفا واضحا بينا ، وليعزم أمره ، ولا يتردد ، ولينظر لقدراته وإمكاناته ، وليزن حاله الشخصي واحتياجاته الخاصة ، وليتدبر لمعيشته تدبيرا وطريقا كريما يليق بمكانته الاجتماعية والعلمية ، يسهل به سد الضرورات وأهم الحاجات ، كي لا يجد نفسه قصير اليد ، فقير الحال فيفتح للشيطان إليه بابا من التراجع أو تشوب نيته شائبة ،او تتجاذبه السبل ..

 

 

وإنما ثوب العلم خشية الله سبحانه ومخافته ، ومراقبته ، وصحة عبوديته ، فليكن هم طالب العلم ذلك ، وليحذر من تقلب النوايا ، وتسويل الهوى ، وليجعل لنفسه مع العلم الذي يتعلمه قربات لله سبحانه يتقرب بها ، وليحذر أن يبعده عن القرب من الله سبحانه الرياء أو رغبة الدنيا ..

 

 

والمعلم الصالح أساس في طلب العلم والاقتداء بالهدي ، وهناك صفتان أساسيتان في المعلم لابد من وجودهما ، رسوخ العلم وتحقق الورع ، فالعلم لايؤخذ إلا من العالم التقي الورع الراسخ ، فالحفظ والخبرة وحدهما لايكفيان ، بل التقوى والورع ، كما أن التخصص مهم ومؤثر ، فاحذر مدعي جمع العلوم ، واحذر غير المتخصصين فإنهم يأتون بالعجائب ، ولا تقصر نفسك على أستاذ واحد لكن ابحث عن أخذ كل باب من صاحبه المتخصص المتميز فيه

 

 

والأولى في الدراسة هي الدراسة بالطريقة الأكاديمية ، فأنصح بمدارسة العلم بطريقة أكاديمية – أعني عن طريق الجامعات العلمية , هذا بجانب مدارسة العلماء , فالدراسة الأكاديمية تنظم الفكر وتضبط الأداء , والدراسة على يد الشيوخ تعلم الآداب وتفهم المخفيات وتبصر بطرائق التفقه , فلا تترك أحدهما .

 

 

لابد لطالب العلم من تفهم قدراته الشخصية وميزاته الذاتية وميوله النفسية والعقلية، وعندئذ يتخير من القراءة والدراسة ما يقوي منها ما يتميز فيه، وينمي فيها ما يحب أن يتخصص فيه، فليختر لنفسه مجالا تميز وسبيل تخصص وليهتم فيه بجمع العلم من أطرافه ..