خنجر "البغاة" في خاصرة الثورة السورية
4 جمادى الأول 1438
أمير سعيد

لم يدم الوقت طويلاً حتى حسمت حركة حماس موقفها، وحزمت أمرها بشأن بغاة تجاوزوا سلطتها في غزة.

كان هذا قبل سبع سنوات، حين أعلنت جماعة "جند أنصار الله" إمارتها في غزة، معلنة "تطبيق الشريعة" في  القطاع المحاصر، خارجة على نظام حركة حماس في غزة منتقدة إياه بأنه اجتمع بعدد من الوفود والقيادات الأوروبية والأمريكية أبرزها جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية. تحصنت قيادات "جند أنصار الله" المسلحة في مسجد ابن تيمية بمدينة رفح، واغتالت المفاوض القسامي القيادي محمد الشمالي – وفقاً لرواية كتائب القسام – ما أدى إلى تدخل الحركة لبسط سيطرتها على المسجد والإطاحة بالحركة التي قالت حماس في بيان لها حينها أن زعيم "جند أنصار الله" الشيخ عبداللطيف موسى "المعروف بعلاقته الوثيقة بالأجهزة الأمنية البائدة  أعلن إقامة كيان غير قانوني خلال خطبة الجمعة التي كفَّر فيها حركة حماس واتهمها بالردة".

 

لِيمت حماس كثيراً من أوساط "سلفية" وكفّرت من أوساط "جهادية" نتيجة لتلك الحادثة التي حصلت في العام 2009 أي بعد الحسم العسكري التي فرضته الحركة على القطاع بعد طرد ميليشيات القيادي الفتحاوي محمد دحلان المتهم بإثارة الفوضى والقلاقل وإشاعة الانفلات الأمني في قطاع غزة إثر فوز الحركة بالانتخابات في العام 2006 .

 

من منظور سياسي وأمني فرضت الحركة الأمن في القطاع على إثر ذلك، وحالت دون تزيد المزايدين عليها، ومنعت الازدواجية والفوضى والاختراقات الأمنية من خلال جماعات ترفع رايات الجهاد، وهي تنفذ من حيث تعلم أو لا تعلم مخططات صهيونية تفضي إلى سيطرة القوى العلمانية الموالية للكيان الصهيوني على قطاع غزة إلى جانب الضفة الغربية، لكن من جانب آخر لم يسترح كثيرون إلى إراقة الحركة للدماء الفلسطينية المسلمة في القطاع المحاصر، كما لم تقم لديهم أدلة دامغة على عمالة جماعة موسى، برغم أن تساؤلاً حول الواجب السياسي والأمني حينها لم يدر بخلدهم أو لم يتعبوا ذواتهم في إيجاد إجابة مقنعة عما يتوجب على السلطة أن تفعل في مثل هذه الأمور العصيبة.

 

ما بين تعامل الحركة الحاسم، وغيرها في العراق وسوريا مع جماعات تدور حولها حلقات سميكة من ظلال الشك بون كبير، ففي حين أمسكت الحركة بأزِمّة الأمور والنفوذ في القطاع، اضطربت الأحوال في كلا البلدين المتجاورين، وتقلص نفوذ الجماعات الوسطية التي حافظت على نسيجها الشعبي البنيوي، ولم تشرع بابها للاختراقات الخارجية عبر جموع "المهاجرين" المجهولة، ولم تبنِ هياكلها  العليا على من خرجوا بظروف غامضة من السجون.

 

في سوريا الآن، تتعاظم أصوات الغلاة ونفوذهم، وقد كان هذا نتاجاً طبيعياً لتراخٍ غير مفهوم و"تورع كاذب" في تبيان الحقائق الواضحات؛ فلا أحد يرغب بسفك دماء المسلمين بحال، لكن كان من الممكن طرح علاجات ناعمة أقل كلفة من إراقة دماء، نزفت، وستظل تنزف جراء عدم وضوح الرؤية، وتسيد الأصاغر، وغبش ألَمّ بأفكار قادة الرأي؛ فانحرف كثير من الشباب بعيداً، وخاضوا في لجج الفتن، واسترخصوا دماء المخالفين حين بهرهم بريق الغلاة و"أفلاطونية" أحلامهم.

 

لا أحد يملك الخوض في الدماء ولا الإفتاء فيها سوى العلماء الراسخين، ولكن بجردة حساب سريعة ألم يكُ ممكناً ألا تصل الأمور إلى هذا الانسداد في سوريا لو أن الأكابر اتخذوا مواقف أكثر حسماً وحزماً وتبياناً وإرشاداً؟!

 

لقد ابتلعت جماعات الغلو والعمالة جماعات مقاومة في بلدان كثيرة، منها العراق وسوريا، وانحرفت إحداها بالانتفاضة الجزائرية السلمية عن مسارها فأوردت البلاد المهالك وابتلعت القوى الشرعية المصادر حقها الدستوري؛ فأفاد من كل هذا أعداء كل المقاومات والمعارضات والثورات.. واليوم يستمر هذا الاستنزاف أيضاً في سوريا، حيث يلبِّس ذوو العمائم الفارغة في سوريا الشرع على البسطاء ويدغدغون مشاعر الشباب ويجرونهم نحو نحر ثورتهم ووأد أحلامهم ومنح أعداء بلادهم فرصة عظيمة لإجهاض مشاريعهم التحررية الحقيقية؛ فمتى يفيق الكبار، ومتى يتعقل الشباب، ومتى ينتبه المخلصون للفخ الجديد؟!