بصمات نورانية
1 جمادى الأول 1438
د. خالد رُوشه

قيمة المرء الحقيقية هي مقدار ما يتركه من آثار نافعه ، على نفسه وغيره ، وعلى المحيط الذي يحيط به ، والمحيط الأكبر فالأكبر ..

 

 

وفي الحديث : " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " أخرجه مسلم ، واقسم سبحانه بالعصر ،  أن العباد خاسرون إلا من اتصف بأربع صفات " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .." ، وهو جامع لأعمال الخير كلها الظاهرة والباطنة ، ثم قال : " وتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " أي :بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة ، فبالأمرين الأوليين يكمل الإنسان نفسه وبالأمرين الآخرين يكمل غيره .

 

 

وأنبياء الله ، خير البشرية جميعا ، كانوا أنفع الناس لها ، إذ نشروا نور الحق في ارجاء الأرض ، وعلموا الخير والعلم ، فأصلحوا به الدنيا ، ونصحوا لمن أراد إصلاح الآخرة ..

 

 

الدعاة المصلحون دوما هم فكرة حية ، تتحرك بين الناس، وهم يستشعرون اللذة اللانهائية في نشرها وتعميمها، ويستشعرون الرضا عندما يبذلون لها ويضحون من أجلها..

 

 

هؤلاء الرجال، نظروا للبشرية، فلحظوا ما بها من دنس وتدنٍ وغفلة، وشعروا أنها تسير نحو حتفها المظلم... فليس ثَم في نهاية النفق ضوء ! ،، فأرادوا تطهير الدنس وإيقاظ القلوب، والنجاة بها في قارب نوراني شفاف من بحار الكآبة الماديـة.

 

 

أرادوا أن يغرسوا في حاضر الإنسانية غرساً من نوع صادق لينبت عبر الأيام فروعاً، يُطعم منها الفقير والمحروم، ويستظل بظلها التائه والحيران، ويأمن بجانبها الخائف والجريح،.. سقوها بعرقهم، ودموعهم، وأحيانا بدمائهم.... ولفظات أرواحهم..

 

 

ومن هنا بدأت الدعوات بفكرة واحدة يحملها رجل واحد فقط، تمثلت فيه تلك الفكرة، فراح يدعو إليها الواحد بعد الواحد، ويضم الجمع بعد الجمع، ويضع الخطوط والوسائل، ويبث روح الأمل في الجميع كلما استشعروا وعورة الطريق.

 

 

هكذا خرج الحواريون أتباع الأنبياء، وهكذا خرج العالمون والحكماء، فاهتزت الأرض من تحت أقدامهم - وهم الفرادى والضعفاء -، وخافتهم إمبراطوريات الأرض المتجبرة - وهم بغير سلاح يُرى -، وناصبهم العداء الأفراد والجماعات الحريصة على الحياة الراكدة الآسنة، والمستمتعون في الشهوات الكدرة.

 

 

لقد رأوا إن الارتقاء المادي وحده لا يُعد حضارة في ذاته، وان الحضارة الحقيقية هي التي حتما تنبني على ارتقاء النفوس، والسمو بالبشر، وتطهيرهم من الدنس، والخطيئة، وإصلاح قلوبهم ونفوسهم، قبل أن تقوم على إصلاح المادة والسعي لتقدمها التكنولوجي وإلا فما قيمة مادة بلا حياة؟!

 

 

إنها نصيحته صلى الله عليه وسلم ووصيته , يقدمها لكل مؤمن اراد الثواب الجزيل والأجر العميم المستمر غير المنقطع , ولمن أراد الصدقة الجارية , والعلم النافع الذي يتركه لينتفع به في الحياة وبعد موته ..

 

 

وصيته صلى الله عليه وسلم لعلي ابن ابي طالب عندما أعطاه الراية يوم خيبر إذ قال له : " فوالله  لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " البخاري .

 

فمن أعظم العبادات المتعدية النفع دعوة الناس للخير وتعليمهم الهدى ، قال صلى الله عليه وسلم :" من علم علما فله اجر من عمل به لا ينقص من اجر العامل " رواه ابن ماجه ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"  خيركم من تعلم القران وعلمه "  وقال سبحانه : "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "

 

انها نصيحة استنفار لكل صادق يرجو ثواب الله , ويريد نشر فكرته النورانية الوضاءة , فالداعية إلى الله يخطو إلى الجنة بكل خطوة يخطوها بينما هو يدعو إلى الإسلام وقيمه ومبادئه وعقيدته وشريعته .

 

 

انه كذلك يرتقي بفعله الذي هو الدعوة إلى الله رقيا لايدانية رقي , فمهما عمل المدعو من عمل صالح كان قد علمه له الداعية فللداعية مثل أجره , فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول صلى الله عليه وسلم -: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم ، و قوله - صلى الله عليه وسلم - : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) رواه مسلم

 

 

والعبد الصالح يرتجي صلاح مجتمعه وإخراجه من عبودية المادة إلى عبودية الله الواحد القهار , حيث سعة الدنيا والآخرة , وحيث الخير الظاهر والباطن , وهي رسالة النبي صلى الله عليه وسلم سيد الدعاة إلى الله , قال سبحانه وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة.." الآيات

 

 

إنها رسالة الشرف والعزة , ووظيفة الأنقياء الأتقياء , مهما لقوا من عنت ومهما قابلوا من آلام , ومهما أعرض الناس عنهم , قال صلى الله عليه وسلم: [يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك.. الحديث] رواه أحمد وابن ماجه