25 ربيع الثاني 1438

السؤال

ما مقدار الخوف الواجب من الله؟ فقد قرأت لبعض العلماء المعاصرين أن الخوف الواجب هو الذي يزعك عن المعصية، وما عداه فلا يضر تركه!

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فقد أمر الله المؤمنين بخوفه وخشيته، وأثنى على ملائكته وأوليائه بأنهم يخافونه ويخشونه، فقال تعالى: (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وقال: (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ)، وقال: (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)، وفي معنى الخوف والخشية: الرهبة والتقوى، كما قال تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)، (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)، وقال تعالى عن الملائكة: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال: (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، وقال عن الأنبياء: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، وقال عن الأولياء: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ)، وقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).

    وفي معنى خوف الله: خوفُ عذابه وبطشه وغضبه، وخوفُ اليوم الذي يكون فيه: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)، (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)، والخوف من أعمال القلوب؛ كالتوكل والمحبة، وهو يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، وأهل الخوف هم فيه على درجات بحسب علمهم وإيمانهم؛ فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومنشأُ خوفِ العبْدِ ربَّه هو إيمانه بأنه شديد العقاب، وأن بطشه شديد، مع الإيمان بإحاطة علم الله بما يُسِرُّ العباد وما يُعلنون، وإحاطةِ سمعه بما يقولون، ورؤيتِه لما يعملون، ولذا يُذكِّر الله بأسمائه الدالة على إحاطة علمه وقدرته وإحاطة سمعه وبصره تحذيرا عن معصيته، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)، وقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقال: (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ)، وقال تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ).

     والخوف منه واجب، ومنه مستحب، بل منه ما هو حرام: فأما الواجب فهو ما يمنع من الإقدام على الذنوب، وآكدُ ذلك وأوجبُه ما يمنع من كبائر الإثم والفواحش. ومنه: ما يمنع من الأمن من مكر الله وغضبه وعذابه وهو كذلك من كبائر الذنوب، قال تعالى: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، وهذا هو الخوف المشار إليه في السؤال. وأما الخوف المحرم فهو ما يؤدي إلى القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، فهذا من كبائر الذنوب، وهو ما لا رجاء معه، قال سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، وقال: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ).

      وأما الخوف المستحب فهو ما يحمل على ترك المكروهات وفضول الأعمال والأقوال، وعلى فعل المستحبات، ومعنى هذا: أنّ عدمَ هذا الخوفِ ‑ وإن كان نقصًا ‑ فإنه لا يوجب إثما، لكن لا ينبغي أن يعبَّر عن عدم هذا الخوف بجواز تركه؛ لأن لفظ الترك يشعر بالقصد إلى عدمه، وفرقٌ بين عدم الخوف الناشئ عن قصد الترك؛ والعدم الناشئ عن الغفلة وغلبة الشهوة. نسأل الله أن يرزقنا خشيته في السر والعلن، إنه سميع مجيب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على محمد،

أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك لعشر خلون من ربيع الآخر 1438ه.