من وثيقة تمرد الخارجية أيام أوباما إلى استقالات جماعية ل سي آي إيه بعهد ترمب
17 ربيع الثاني 1438
دـ أحمد موفق زيدان

ما يجري اليوم من صدام ومواجهة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والمخابرات المركزية الأميركية السي أي إيه يذكرنا بالوثيقة التي قدمها كبار مسؤولي الخارجية الأميركية والتي وُصفت بالمجموعة المتمردة يومها، وذلك احتجاجاً على سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما بما يتعلق بسوريا، وتسليم الملف لروسيا بسبب تراخيه وعدم صرامته في التعاطي مع الأسد وإيران ثم مع روسيا...

 

 

خلال فترة أوباما كان الخلاف والنزاع على أشده بين مكافأته لإيران المستمرة منذ التوصل للاتفاق النووي والانصياع لها في سوريا ثم الانصياع لروسيا بسوريا وهو ما أضعف الوجود الأميركي في سوريا ثم في تركيا ومن بعدها عمل على هزّ العلاقة التحالفية بين أميركا وأوربا كلها، وهو الأمر الذي تريده وتسعى إليه روسيا وتعمل على أساسه..

 

 

اليوم نجد الاهتزاز الآخر في النظام الأميركي بعمومه وهو الخلاف الدائر بين الرئيس المنتخب دونالد ترمب وجهاز المخابرات المركزية الأميركية الذي يعمل فيه عشرات الآلاف من الموظفين وبميزانية تصل إلى السبعين مليار دولار، فقد وصف ترمب الجهاز والعاملين فيه بالنازية، حين غرّد بتغريدة له على التويتر إننا نعيش في عصر النازية، وذلك على خلفية "الملف القذر" الذي تسرب عن وجوده لدى المخابرات الروسية بحقه والذي ستستخدمه في ابتزازه بأي وقت تشاء وتريد..

 

 

عدد كبير من ضباط المخابرات المركزية الأميركية بحسب وكالة رويترز قدموا استقالاتهم ولم يؤرخوها وهم ممن تزيد أعماره عن الخمسين عاماً وخبرتهم عن العشرين عاما، وقضوا أكثر من خمس سنوات خبرة في العمل الاستخباراتي خارج البلاد، وكل هؤلاء منزعجون لطريقة ازدراء ترمب من جهازهم وهو ما سيضعهم في وضع استخباراتي صعب للعمل فيه، فإن كان الرئيس لا يثق بوكالته فكيف سيجلس مع نظيره الروسي أو غيره، وسيقدم له معلومات وأخباراً مستندة إلى تحقيقات وعمل الجهاز..

 

 

الظاهر أن روسيا نجحت إلى حد كبير في طرد أميركا من سوريا ونجحت معه في هزّ العلاقة والثقة بينها وبين تركيا وغيرها من الدول الاقليمية التي لجأت إلى تعزيز العلاقة مع روسيا على حسابها، ومن بعدها حصل الاهتزاز في العلاقة بين أميركا ودول أوربا بشكل عام، وهو ما دفع بعض الغربيين إلى تهديد الأميركيين في أن ثمة من يقود العالم إن عجزتم أو لم يكن لكم الرغبة في ذلك،  وبالتالي فهذا الأمر سيتعاظم في عصر ترمب بسبب شعور الأخير غير المعلن بأنه مدين لبوتين في الوصول إلى السلطة بعد التحقيقات المؤكدة عن تدخله بالانتخابات لصالح ترمب وضد المرشحة كلينتون..

 

 

الإشكالية الأساسية اليوم هي في طبيعة العلاقة المستقبلية بين الرئيس الأميركي المنتخب ترمب وبين المؤسسة الاستخباراتية التي رأى فيها نهرو أنها إحدى أهم قوتين تعتمد عليهما أميركا قوة خشنة هي السي آي إيه، وقوة ناعمة هي هوليود، فكيف إن عرفنا أن ممثلات  و ممثلين هوليوديين بدؤوا بالجهر بموقفهم المعادي لترمب، وفوق هذا العلاقة المسمومة بين الإعلام الأميركي والرئيس المنتخب ورأينا كيف  بدت العلاقة بين السي إن إن وترمب، وكذلك بينه وبينه الصحف الأميركية الذائعة الصيت..

 

 

مثل هذا الوضع ينبئ بحالة مضطربة غير مسبوقة تنتظر أميركا لاسيما بين مؤسسات الحكم الأميركية، وقد كان وزير الخارجية الأميركي هنرى كيسنجر قد ألّف كتاباً عن هذه الحالة قبل أكثر من عقد بعنوان نحو سياسة خارجية أميركية موحدة، تحدث فيه عن اضطراب العلاقة بين أجهزة الحكم الأميركية وتنافرها فيما يتعلق بتكوين سياسة خارجية موحدة،، فماذا سيكتب اليوم وهو يرى التخبط والازدراء بين المؤسسات الأميركية ودخول الرئيس على خط الصراع هذا ؟!