هل ستشهد محنة الروهنغيا انفراجة عام 2017 ؟!
13 ربيع الثاني 1438
د. زياد الشامي

سؤال قد يتبادر إلى أذهان البعض بعد إطلاق المبعوث الخاص لمنظمة التعاون الإسلامي إلى ميانمار حامد البار على عام 2017 وصف "السنة الدولية للتضامن مع الروهنغيا" حسب وسائل إعلام ماليزية , بعد أن اقترح المركز الروهنغي في آسيان (ARC) - الذي يعتبر منظمة تضم 60 منظمة غير حكومية من جميع أنحاء دول جنوب شرق آسيا ومقرها في كوالالمبور - ذلك في وقت سابق ورفع الاقتراح للبار للموافقة عليه .

 

 

 

المدير التنفيذي للمركز الدكتور "محمد حلمي إبراهيم" أكد أنه قد تم بالفعل اعتماد هذا الوصف من قبل منظمات غير حكومية مختلفة , مضيفا أن الغرض من هذا الإعلان هو زيادة الوعي الإقليمي بالحاجة إلى وضع حد لانتهاك حقوق الإنسان والتمييز والعنف ضد الروهنغيا في ولاية أراكان المضطربة في ميانمار .

 

 

 

والحقيقة أن تحريك المياه الراكدة في قضية مأساة ومعاناة مسلمي الروهنغيا في ولاية أراكان في ميانمار التي حصلت أواخر العام الماضي وبداية هذا العام , قد يكون وراء تفاؤل البعض في أن يكون هذا العام مختلفا عن بقية الأعوام السابقة فيما يخص إنصاف الروهنغيا ورفع الظلم والاضطهاد الواقع عليهم من قبل حكومة ميانمار البوذية منذ عقود , والذي ازدادت وتيرته منذ عام 2012م وحتى الآن .

 

 

 

وعلى الرغم من الاضطهاد الحكومي البوذي الممنهج منذ عقود ضد حوالي مليون مسلم روهنجي يعيشون في ولاية أراكان غرب ميانمار , إلا أن موجة جديدة من العنف البوذي ضد الأقلية المسلمة هناك قد اشتدت واستعرت منذ 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ، وذلك بعد أن تعرضت الحدود بين ميانمار وبنغلاديش لهجوم على يد مجموعة من المسلحين , ما أدى إلى مقتل 9 من رجال الأمن البورمي , والذي اتخذته الحكومة البوذية ذريعة لشن حملة تطهير عرقي ضد الروهنغيا .

 

 

 

منذ ذلك الوقت و التقارير تتحدث عن انتهاكات جديدة من الجيش البوذي بحق الروهنغيا، إذ تناولت التقارير عمليات وحشية كـ : حرق قرى مسلمي الروهنغيا ، واعتداءات جسدية بحق نسائهم من قبل ضباط الجيش البورمي تحت تهديد السلاح ، والقتل بهدف «التطهير العرقي» , كما مُنِعت كل أنواع المساعدات الإنسانية الموجهة للمناطق التي يهاجمها الجيش البوذي..... ما أدى إلى فرار أكثر من 50 ألفا من مسلمي الروهنغيا إلى بنغلاديش؛ طلبًا للجوء، وهربا من تلك العمليات الوحشية، بحسب ما ذكرته تقارير الأمم المتحدة.

 

 

 

وبعد أن ازدادت عمليات القتل والاغتصاب والتهجير الموثقة من كثير من المنظمات الحقوقية الدولية , حتى أطلقت منظمة «هيومان رايتس ووتش» على ما يحدث في ميانمار من قِبل الجيش البورمي بعملية «تطهير عرقي»، كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن ما يجري في ولاية أراكان يرقى إلى درجة «الجرائم ضد الإنسانية» ....تم إرسال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إلى ميانمار مع فريق دولي في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي ، والذي لم تفض زيارته إلى أي نتيجة تذكر .

 

 

 

وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خرجت مظاهرات واحتجاجات ضخمة في ماليزيا بتنظيم ومشاركة حكومية رسمية تنديدا بالمجازر التي تُرتكب بحق الروهنغيا، وقال رئيس وزرائها حينها : «هل يمكن للعالم أن يقف صامتًا أمام عمليات الإبادة التي تحدث؟» , كما نُظمت العديد من المظاهرات في العاصمة البنغالية دكا ؛ مطالبين بمنح الروهنغيا حق اللجوء ، بالإضافة لمظاهرات مماثلة في جاكرتا، وبانكوك...

 

 

 

من جهة أخرى دعا عدد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام الأمم المتحدة إلى التدخل من أجل أقلية الروهنغيا المسلمة في بورما، منتقدين عدم تحرك رئيسة الحكومة "أونغ سان سو تشي" , وفي رسالة مفتوحة إلى مجلس الأمن ، رأى الموقعون أن ما يحدث هو مأساة إنسانية ترقى إلى درجة التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية.

 

 

 

ورغم كل ما سبق استمرت الحكومة البورمية في سياستها الإجرامية ضد مسلمي الروهنغيا , وهو ما دفع الآلاف منهم للفرار إلى بنغلادش المجاورة التي لا يبدو أن حكومتها ترحب بهم , خصوصا في ظل استمرار سياسية رئيسة وزرائها "حسينة واجد" العلمانية المعادية للمسلمين ....لتعلن الأمم المتحدة أول أمس الاثنين أن نحو 22 ألفا من الروهنغيا دخلوا بنغلاديش انطلاقا من ولاية أراكان خلال الأسبوع الماضي، مما يرفع عدد أفراد هذه الأقلية الفارين من بلادهم منذ بدء هجوم جيش ميانمار إلى 65 ألفا , والذين يعيشون في مخيمات مصنفة وأخرى عشوائية أو مراكز استقبال في "كوكس بازار" في جنوب بنغلاديش .

 

 

 

آخر التحركات الدولية فيما يخص قضية الروهنغيا هي تلك التي بدأت أول أمس الاثنين مع وصول مبعوثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "يانغهي لي" إلى ميانمار , في زيارة تستمر 12 يوما للتحقيق في تصاعد العنف بالبلاد بما في ذلك القمع العسكري للمسلمين هناك .

 

 

 

قد لا يكون تدخل الأمم المتحدة وحراكها الأخير في ميانمار في صالح مسلمي الروهنغيا غالبا , فالتجربة تؤكد أن المنظمة الدولية لم تتدخل في قضية تخص المسلمين إلا كانت النتائج عكس ما يريدون ويتمنون , ولعل ما يجري في سورية من تهجير المسلمين هناك تحت سلاح التجويع والقتل وسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها أعداؤهم وبرعاية الأمم المتحدة ....... ليست عنا ببعيد . 

 

 

 

وإذا أضفنا إلى ما سبق استهتار حكومة ميانمار بهذا التدخل وعدم مبالاته به , حيث أكدت مصادر حقوقية وإعلامية في ميانمار أن الجيش داهم عددا من قرى أقلية الروهنغيا المسلمة بولاية راخين "أراكان" لليوم الثالث على التوالي ، بينما تواصل قواته مداهمة قرى الروهنغيا وقتل وتعذيب رجالهم واغتصاب نسائهم وتهجير الآلاف منهم نحو بنغلاديش .......فإن آمال شهود انفراجة في محنة مسلمي الروهنغيا ومعاناتهم لا تبدو قوية وكبيرة هذا العام , خصوصا في ظل غياب ضغوط حكومية رسمية عربية وإسلامية على حكومة ميانمار التي لا يبدو أن مجرد التنديد والاحتجاج والتظاهر يكفي لردعها عن مواصلة سياستها الاستئصالية التهجيرية ضد الروهنغيا .