الجزائر على صفيح ساخن
6 ربيع الثاني 1438
خالد مصطفى

اعتبر البعض أن الجزائر "نجت" من "الربيع العربي" واستخدموا هذا الوصف بعدما آلت إليه الأوضاع في الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية لتغيير الأوضاع المتراكمة فيها منذ عشرات السنين, وإن كان ما جرى في هذه الدول ليس بفعل الثورات ولكن بفعل المؤمرات الخارجية والداخلية التي تعرضت لها, ولكن هذا ليس موضوعنا الآن إنما الاحداث التي شهدتها الجزائر في الأيام الأخيرة ووصفها محللون بأنها إرهاصات ثورة شعبية قادمة..

 

لقد قامت الحكومة الجزائرية مع بداية السنة بإجراءات تقشفية بسبب انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه البلاد في مواردها وقد ادت هذه الإجراءات إلى ارتفاع في الأسعار مما اثار غضب المواطنين الذين نظموا احتجاجات واسعة شهدت أعمال عنف..وانطلقت الاحتجاجات بعدد من المناطق الشرقية بالجزائر، وصاحبتها مواجهات وُصفت بالعنيفة والخطيرة للتجار المحتجين ضد قوات الأمن, كما اتسمت بعمليات تخريب ونهب أملاك عامة وخاصة، وشهدت مدن بجاية والبويرة وبومرداس، شرق العاصمة الجزائر، إضرابا يقوم به التجار، دعت إليه جهات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك احتجاجا على قانون الميزانية الجديد لعام 2017، والذي تضمن زيادات في الضرائب والرسوم...

 

من ناحيتها، أشادت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بـ"الإضراب العام" الذي نظمه تجار منطقة القبائل، واصفة إياه بـ"الناجح". فيما دعت المتظاهرين إلى عدم استخدام العنف للتعبير عن مطالبهم والاستمرار في التظاهر بشكل "سلمي"....

 

ودعا عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، وهي أكبر حزب إسلامي في الجزائري، السلطات إلى "فتح الحوار، وعدم الانفراد بالقرارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية"، مردفا أن "التخريب والاعتداء على الممتلكات في الاحتجاجات لا يخدم إلا السلطة الحاكمة"...

 

وكان قانون المالية العامة المثير للجدل للسنة المالية الجديدة قد أقر زيادات في الضرائب؛ منها الرسم على القيمة المضافة، وعلى تعبئة رصيد المكالمات للهاتف الجوال والإنترنت النقال، والأجهزة الكهربائية، والوقود...واحتجت أحزاب المعارضة الجزائرية على القانون، الذي وصفته بـ"التقشفي"، كونه تضمن أيضا ضرائب ورسوم جديدة، وقلص من أموال الدعم الموجه إلى الصحة والإسكان ومواد استهلاكية أساسية؛ مثل البنزين، ودقيق الخبز، والزيوت الغذائية، في محاولة لتقليل حدة عجز الميزانية....

 

الجزائر لا تعاني فقط من أزمة اقتصادية حادة بل من أزمة سياسية أكثر حدة حيث إن الرئيس بوتفليقة يمر منذ سنوات بظروف صحية سيئة ويتحرك بصعوبة, الأمر الذي أثار لغطا كبيرا حول قدرته على تسيير أمور البلاد وقد زادت هذه التساؤلات مع تدهور الوضع المعيشي للمواطنين ودخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ..

 

البعض يرى أن بوتفليقة ما هو إلا واجهة لآخرين يديرون أمور الدولة من خلف الستار وأن هذا الأمر يتنافى مع الشفافية المطلوبة والتي تحتاجها البلاد في مثل هذه الظروف الاستثنائية, كما يرى هؤلاء أن محاولات أكثر من جهة داخل السلطة ترتيب الوضع بعد انتهاء عهد بوتفليقة لصالحها يسبب المزيد من الأزمات ويضفي غموضا غير محمود على المشهد العام في البلاد...

 

قد تكون رياح الربيع العربي لم تقف عند الجزائر لأسباب عديدة من أهمها وجود حالة من الاستقرار الاقتصادي فيها ولكن مع فقدان هذا الاستقرار وتزايد الالتباس حول مستقبل الرئاسة ووجود صراعات في هذا الشأن, كل هذا يجعل البلاد مفتوحة على مصراعيها أمام كافة الاحتمالات.